تتسارع الأحداث في ولاية بانشير الأفغانية، بما ينذر بمواجهة عسكرية بين حركة طالبان، التي تريد اقتحام الولاية، ومعارضيها الذين يتحصون هناك، بقيادة أحمد مسعود، نجل القيادي الأفغاني الراحل، أحمد شاه مسعود.
وأبرزت الأحداث في ولاية بانشير، الوحيدة التي لا تسيطر عليها طالبان في أفغانستان، دور مسعود العسكري والسياسي، فيما يشبه إلى حد كبير قصة والده، الذي كان عنوانا لمقاومة الاتحاد السوفيتي سابقا في الثمانينات وحركة طالبان في التسعينيات.
لكن ذلك لا يعني أن الابن نسخة طبق الأصل عن أبيه، فثمة اختلافات بين الطرفين خاصة في المشروع السياسي.
وتقول حركة طالبان إنها بدأت في محاصرة المنطقة الواقعة شمال شرق كابل، بعد حشدت المئات من مقاتليها هناك.
وجاء ذلك، بعدما عمل أحمد مسعود على رص صفوف المعارضين للحركة المتشددة في "بانشير" التي تعني "الأسود الخمسة" بلغة الداري، في قصة تشبه مع اختلاف في بعض التفاصيل ما صنعه والده قبل عقود ضد الحركة المتشددة.
بروز أحمد مسعود
ودعا مسعود الابن الولايات المتحدة والأفغان في الخارج إلى دعم "لجان المقاومة" ضد طالبان، التي انضم إليه نائب الرئيس السابق أمر الله صالح.
وارتفعت أيضا العديد من الأصوات السياسية والعسكرية الأفغانية الداعية للتوجه نحو الولاية وتكرار ما يوصف بـ"ملحمة بنجشير" الشهيرة في مواجهة الاحتلال السوفيتي.
وبعيد سقوط كابل في يد حركة طالبن، قفز أحمد مسعود إلى قمة الاحداث في أفغانستان.
الوعي على قتال طالبان
ويقول الناشط الأفغاني، روح الله عمر، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن أحمد مسعود يحمل ميراثا هائلا من "مقاومة" والده للسوفيت وطالبان، لافتا إلى أنه ولد في نهايات الثمانينات، أي في ذروة المعارك التي قادها والده ضد الاتحاد السوفيتي.
وأضاف عمر أن الابن وعي على الحياة خلال المواجهات التي خاضها والده مع حركة طالبان في تسعينيات القرن الماضي.
وكانت حركة طالبان اغتالت أحمد شاه مسعود قبل يومين من أحداث الـ11 من سبمتبر عام 2001، عبر هجوم نفذه تنظيم القاعدة الإرهابي.
دراسة عسكرية
ودرس أحمد مسعود في طاجيكستان، ثم سافر إلى إيران لمواصلة الدراسة، وتخرج في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا، وفق الناشط الأفغاني.
واستكمل شاه مسعود الابن دراسته العسكرية بالحصول على شهادة الماجستير في دراسات الحرب بكلية "كينغز كوليدج" ببريطانيا.
وأسست هذه الدراسة المكثفة لمسعود قواعد صلبة له في العمل العسكري، لكنه لم يقف عند ذلك الحد، فخاض غمار السياسة، إذ بحسب الناشط روح الله عمر، أسس مسعود حزبا سياسيا ولم يتكئ على الجمعية الخاصة بعائلته.
وذهب أبعد من ذلك حين أكد مرارا على وجود رؤية سياسية لخروج بلاده من أزماتها، مثل الإشارة للحكم الفيدرالي وعدم مركزية السلطة.
مشروع سياسي
ومن جانبه، يلفت الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية، أحمد عبد الحكيم، إلى أن ولاية بانشير هي المعقل التقليدي للتحالف الشمالي الذي كان يقوده أحمد شاه مسعود، وهذا أول ملمح يجمع خيوط الصلة والترابط بين الأول وابنه أحمد مسعود.
ويضيف عبد الحكيم لموقع"سكاي نيوز عربية": "تختلف سياقات الصراع وظروف البلاد في الثمانينات عن الوقت الحالي، فقد كان الأب عسكريا ووصل لمنصب وزير الدفاع في حكومة برهان الدين رباني، قبل أن تسقط الأخيرة في يد طالبان، وتتشكل على أثرها حركة مقاومة في الشمال، ثم شكّل الأب حركة المقاومة التي مثّلت التيار الإسلامي البراغماتي والمعتدل في ظل كثافة وانتشار الأحزاب الماركسية بتنوعاتها الفكرية ومصادرها السياسية خلال الستينيات".
وينوه إلى أنه منذ رجع أحمد مسعود إلى بانشير في عام 2016، تبدو كفة السياسة هي الأرجح لديه مقابل الانخراط في صراع مسلح، لكن نجل "أسد بانشير" يلوح أحيانا بالقتال مع احتدام الأزمات، كما هو الحال مؤخرا مع طالبان.
ويرى عبد الحكيم أن أحمد مسعود يعمد إلى المقاربات السياسية والحلول السلمية، ومن بينها المصالحة الوطنية وتدشين حكومة فيدرالية، وذلك بخلاف ما كان عليه والده نظرا لطبيعة الوضع السياسي وقتها، وهو ما يظهر خلال كتاباته العديدة في الصحافة الأجنبية وزياراته الخارجية.
وفي زياته للعاصمة الفرنسية باريس، مطلع العام الحالي، قال أحمد مسعود لوكالة "فرانس برس" إنه "قلق للغاية" على مستقبل بلاده، وأعرب عن أمله في "أن تظهر طالبان الحصافة وتثبت أنها ستحترم أي نوع من التسوية والاتفاق السلمي والسياسي".
وأعرب عن شكوكه العميقة بخصوص المفاوضات االتي كانت تجريها الولايات المتحدة مع حركة طالبان.
وانتقد تلك المفاوضات قائلا: "الأفغان لايقودون هذه المفاوضات بل هي مفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان، وما لم تتناول المفاوضات عملية توزيع السلطة على الجميع وتطبيق اللامركزية في أفغانستان فلن نتمكن من حل أي مشاكل".