ينشغل العالم حاليا بالتطورات السياسية والأمنية المتلاحقة في أفغاستان، بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد، لكن مشكلة تلوح في الأفق: العام الدراسي الجديد.
ويبدو المستقبل غامضا أمام نحو 10 ملايين طالب أفغاني، كان من المقرر أن يعودوا إلى مقاعد الدراسة في سبتمبر المقبل، ومعهم نحو ربع مليون من المدرسين والإداريين.
وبعد انهيار الحكومة الأفغانية السابقة وسيطرة طالبان، بما ترك ذلك من فراغ إداري هائل، تزايدت المخاوف بشأن تراجع أعداد الطلبة في المدارس الأفغانية، خصوصا بين الفتيات.
قصة نجلاء
نجلاء أمارازي واحدة من هؤلاء الفتيات. ما يميزها عن غيرها أنها نالت على المرتبة الأولى على مستوى العاصمة كابل قبل سنتين، في امتحان الشهادة الإعدادية.
وتقول نجلاء لموقع "سكاي نيوز عربية": كُنا قُرابة خمسة وعشرين طالبة في الصف الثاني من مرحلة الدراسة الثانوية، وطوال هذا الصيف كُنا نزاول دورات مساعدة في مجال الرياضيات والفيزياء واللغات الأجنبية، تحضيراً للسنة القادمة،".
والسنة القادمة هي الختامية في المرحلة الثانوية، وهي التي ستؤهل نجلاء إلى الانضمام إلى كلية هندسة الكمبيوتر في الجامعة الأميركية بكابل، وفق ما تتطلع.
"لا أحد يعرف شيئا"
وكان من المقرر أن تبدأ السنة الدراسية الجديدة، وفق نجلاء، بعد ثلاثة أسابيع، وتقول : " كُل شيء توقف تماماً الآن، لا نعرف إن كان سيُسمح لنا بمواصلة الدراسة أم لا، أو إن كانت الجامعات ستبقى مفتوحة أمام الإناث أم لا".
وقالت إنها مثل غيرها لا تعلم "إذا ما كان مُدرسونا من الرجال سيُسمح لهم بمواصلة تدريس الطالبات، وأي تفصيل آخر هو مجهول تماماً بالنسبة لها، وعائلاتنا تفهر بالهجرة مستقبلاً لأجل تعليمنا، إذا لم تكن الأمور على ما يُرام".
ولم تصدر حركة طالبان حتى الآن أي تفاصيل عن الطريقة التي سوف تدير بها الحياة التعليمية في البلاد، لكنها تعهدت بالسماح للفتيات بالتعلم، شريطة التزامهن بشرط ارتداء الحجاب الإسلامي، لكن كثيرا من التفاصيل بشأن تعليم الفتيات لا تزال غير واضحة.
مخاوف على التعليم
ويقول، ناكوش ميردادي، أستاذ العلوم التربوية في جامعة خوست شرق البلاد، والمقيم حالياً خارج أفغانستان:"أهم المخاوف هي على مصير مناهج العلوم الإنسانية التي ستفرضها الحركة في المدارس، مثل التاريخ والتربية والفلسفة والفنون والآداب".
وأضاف ميردادي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية: "غالباً ما سوف تمنع هذه المواد. وذلك المنع يعني إن الطلب سيتلقون العلوم العلمية المحضة، وتاليا خلو عالمهم الروحي والوجداني من أية قدرات اجتماعية وعقلية وروحية، وطبعا سوء في الاندماج مع الكُل الإنساني العالمي، فالعملية التعليمية تتقصد (التربية) قبل أي شيء آخر".
وقال: "الأمر نفسه يتعلق بالكُليات والمعاهد والمؤسسات التي سوف تُخرج مُستقبلاً طاقم التعليميين الأفغان، فإغلاق المؤسسات التربوية والتدريبية التي تُخرج وتطور من أطقم المُدرسين على مستوى البلاد، يعني تراجعا مريعا في مستويات الكادر التدريسي"
وأضاف أن ذلك سيؤدي إلى "تراجع أدوار التعليم في الحياة العامة. وقد كان مُلاحظاً إن الحركة أكدت قبولها ببعض الكُليات مثل الطب والعلوم المجردة، لكنها ما طرحت شيئاً عن الكُليات الجامعية الخاصة بالعلوم الإنسانية".
وكانت أفغانستان تعاني من تدهور في مستويات التعليم أثناء عقد التسعينيات، بسبب الحرب الأهلية وحكم طالبان.
أرقام عن التعليم
لكن منذ العام 2001 شهدت الحياة التربوية تطورا كبيرا إذ بُنيت 16 ألف مدرسة عامة في مختلف مناطق البلاد، ومن مجموع 10.7 مليون طالب أفغاني في عُمر الدراسة، فإن نصف مليون فقط لم يكونوا في مقاعد الدراسة.
وبحسب إحصاءات وزارة التربية الأفغانية لعام 2019، فإن هناك 4.3 مليون فتاة أفغانية يدرسن في المراحل الثلاث الأولى للتعليم، بينما تشكل المُدرسات 37 من الكادر التدريسي.
وحذرت منظمات دولية معنية بالتعليم مثل منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم "يونسكو" من أي قرارت غير مُدروسة في مجال التعليم في أفغانستان.
وأضافت أن مث هكذا قرارات ستدفع ثُلث السكان لأن يكونوا عُرضة للانخراط في عمالة الأطفال أو الأعمال المُسلحة، وأن تأثيرات ذلك المستقبلية ستكون مستحيلة التعويض.