مع إعلان القوات الفرنسية الانسحاب من مالي مطلع العام المقبل وإنهاء عملية "برخان" في منطقة دول الساحل الغربي لأفريقيا، أصبح الخوف يسيطر على قطاع عريض من المواطنين في هذه الدول، لاسيما مالي التي تخشى تكرار سيناريو ما حدث في أفغانستان الفترة الأخيرة.
الانسحاب الأميركي والأحداث التي شهدتها أفغانستان خلال الأيام الماضية، أيقظت لدى المواطنين في مالي شبح سقوط العاصمة "باماكو" على غرار سقوط كابول، إثر الانسحاب الفرنسي من عملية "برخان" مطلع العام المقبل، حيث يبقى الأفق الأمني والسياسي ملبدا بعد عام على الانقلاب الذي حمل العسكريين إلى الحكم في البلاد.
فبعد انتشار استمر 8 أعوام تعتزم فرنسا بحلول مطلع العام 2022 إغلاق قواعد "كيدال ونيساليت وتمبكتو" في شمال مالي الأمر الذي جعل الوضع في منطقة الساحل على المحك.
ومن المتوقع أن تبقي فرنسا على ما بين 2500 إلى 3 آلاف عسكريّ، في مقابل 5 آلاف و100 عسكريّ منتشر الآن في منطقة الساحل، ويخشى أن يؤدّي خفض عدد القوات الفرنسية إلى انتقال بعض المناطق إلى سيطرة الإرهابيين بالكامل، إذ تبدو السلطات في بعض الولايات عاجزة عن بسط سلطتها مجددا في هذه المناطق الصحراوية الشاسعة حيث ينتشر الفقر المدقع.
نسخة من الحالة الأفغانية
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي من مالي إبراهيم صالح، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إن انسحاب القوات الفرنسية إن حدث الآن فهم النسخة الفرنسية من الوضع الأميركي في أفغانستان، مضيفا أن فرنسا دخلت مالي تحت زعم إخراج الجماعات الإرهابية من البلاد، والنتيجة التي انتهى إليها الأمر أن فرنسا تستعد للانسحاب والجماعات اليوم في مالي والساحل أكثر قوة وسيطرة وتمدد.
وأوضح صالح، أن التواجد الفرنسي أضاف بعدين إضافيين يصبان في صالح الجماعات الإرهابية: الأول هو أن التواجد الأجنبي في مالي أمر مرفوض من حيث المبدأ خاصة في المناطق النائية ومع عدم ظهور منفعة مهما قلت للسكان من تواجدهم الأمر الذي يجعل الناس على استعداد للتعاطف مع أي طرف ضد فرنسا، والثاني وهو أن التواجد الفرنسي ساهم في إعطاء الجماعات الإرهابية ذريعة لتكون أكثر عنفا وتحت مزاعم محاربة الاستعمار.
وأضاف أنه لا بد من التأكيد على أن المقاربة الأمنية الفرنسية الدولية في مالي بمنطقة الساحل وتجاهل المكون البشري وأي جهود أو محاولة مهما قلت للتنمية هو الذي يجعل رهان الجماعات على الوقت رهان رابح، وهي اليوم أكثر من أي وقت مضى، مشيرا إلى أن النتيجة التي استطاعت فرنسا تحقيقها من خلال التدخل في دول الساحل هي ترسيخ أقدام الجماعات الإرهابية ومنحها مبررات الوجود، واليوم تنسحب بعد أن أصبح التخلص من الجماعات يستلزم التخلص من منطقة الساحل بأكملها.
واختتم صالح تصريحاته قائلا: "بالتالي فإن الحل هو إعادة صياغة الأهداف وتغيير معادلة إما كل شيء أو لا شيء ونعود إلى فكرة (الربح للطرفين) ومن خلالها يتم إدراج الجماعات المسلحة كطرف لا بد من مفاوضاته ومن هنا تقوم الجماعة من جهتها بإعادة تأهيل نفسها وتطوير خطابها بما يتناسب مع المرحلة".. مضيفا أن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هل دخلت فرنسا مالي لمحاربة الإرهاب فعلا: النتائج تقول عكس ذلك.
سقوط منتظر
من جانبه، يرى المحلل السياسي في باماكو بابا داكونو، أن ثمة خوف عام في المنطقة إلا أن الإطارين الساحلي والأفغاني مختلفان جداً، مشيرا إلى أن ثمة عبرة مشتركة واحدة بالرغم من وابل النيران المستخدمة، فإنّ الحل لا يمكن أن يكون عسكريا بالكامل.
وأضاف بابا داكونو قائلا: "يجب إجراء محادثات بدءاً بـ(القاعدة) مع كل المكونات وحتى المنبوذين في الجماعات المسلحة، المسألة العقائدية لا تشمل إلا جزء من خطابهم، لكن ثمة خصوصاً مطالبات سياسية واستياء من الدولة".