بالرُغم من التشكيك الكبير بشفافية تقاريرها ومهنية عملها، إلا أن الأرقام المنشورة مؤخرا عن ديوان الرقابة المالية التركية بشأن "موازنة القصر" الخاص بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صدمت الشارع التركي، إذ أظهرت بذخا وصرفا مبالغا به للأموال العامة، في وقت تعاني الأغلبية المطلقة من المجتمع التركي من تأثيرات زيادة الفقر وتراجع قيمة الليرة التركية.
وحسب تلك الأرقام، فأن موازنة قصر الرئاسة التركي عام 2014 كان فقط 244 مليون ليرة تركية (كان المبلغ بأرقات ذلك الوقت بحدود 85 مليون دولار)، لكنه أرتفع خلال 5 سنوات، ليصبح في العام 2019 مبلغا قدره 3.6 مليار ليرة تركية (حوالي 700 مليون دولار حسب وسطي سعر صرف الدولار في ذلك العام).
التقارير التفصيلية الصادرة عن ديوان الرقابة المالية الوطني في البلاد، أشارت لمبالغ شديدة الإثارة للانتباه، بحيث تدل على مستويات التبدل في الإنفاق والبزخ خلال هذه السنوات، التي تلت حدوث "انقلاب" مشكوك بأمره خلال العام 2015.
فمثلا، خلال العام 2014، بلغت مصاريف الموظفين ضمن وحدات القصر فقط 44 مليون ليرة تركية (حوالي 13 مليون دولار)، لكنها تقفز الآن لتكون 258 مليون ليرة تركية بعد 5 أعوام (حوالي 50 مليون دولار)، أي أربعة أضعاف ما كانت عليه.
ومما أثار حنق المواطنين الأتراك، كانت المبالغ التي أنفقها القصر الرئاسي لشراء السلع والخدمات لنفسه، التي انتقلت من 75 مليون ليرة تركية خلال العام 2014، لتكون 1.8 مليار ليرة تركية خلال العام 2019 (حوالي 360 مليون دولار) أي تضاعفت بمقدار 24 مرة بالعملة المحلية، وأكثر من ثلاثة عشر ضعفا بالقيمة الفعلية لليرة التركية التي تغيرت خلال هذه السنوات.
الفنان الكوميدي التركي بوزوك آلجي علق في تصريح إعلامي ساخر قائلا: "من أين يشترون السجاد والحلويات والبندق والكباب حتى يصرفون مليون دولار في اليوم، هذا المبلغ كافي لمعيشة كل فقراء إسطنبول".
الأمر المريب في أرقام ديوان الرقابة التركية، هو الزيادة التي أعلنها في التحويلات الجارية التي نفذها القصر خلال هذه السنوات، التي قفزت من 2.1 مليون ليرة تركية خلال العام 2014، إلى رقم صادم 388 مليون ليرة تركية خلال العام 2019.
ولا يصرح القصر الرئاسي التركي عن الأماكن والأشخاص الذين يتم تحويل تلك الأموال لهم، لأنها مُعتبرة ذلك ضمن حسابات الأمن القومي.
ديوان الرقابة المالية كان تاريخيا مؤسسة ذات اعتبار وتقدير خاص من قِبل الجمهور التركي، مثلما هي مؤسسة الجيش، لكن بيانتها الأخيرة بشأن حسابات ومصاريف القصر الرئاسي، صارت خلال السنوات الماضية أداة للتشكيك بأدائها وحيادها المفترض عن القوى السياسية وسلطات زعماء البلاد.
ففي حين يُعلن ديوان الرقابة مثلا حسابات جميع الموظفين في مؤسسات الدولية التركية، بما في ذلك أكثرها حساسية، مثل المجلس الأعلى لرعاية الشؤون الدينية، وأرقام موظفي السفارات وحتى قوى الأمن والجيش، إلا أن أعداد موظفي القصر الرئاسي غير مصرح بها قط.
الأمر نفسه ينطبق على التقارير السنوية بشأن مصاريف القصر، التي لا تصدر بشكل دوري، وتُعلن بعد حصول الكثير من التسريبات بشأنها.
الباحث التركي في الشؤون السياسية أوزكور جنمبلي، شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية أسباب هذه التحول في سلوك الرئيس التركي: "خلال سنوات حُكمه الأولى، كان أردوغان يشعر بمزيد من التوازن والمراقبة ضمن مختلف مؤسسات الحُكم، هذا غير تركيزه على الظهور بثوب شخص زاهد وشبيه للقواعد الاجتماعية الأضعف حالا".
وأضاف: "لكن مع تركيزه لسُلطته، وتصفية مؤسسات الدولة غير الموالية له، وتنامي شعوره بالزعامة المطلقة، خصوصا بعد حادثة الانقلاب المزعوم، صار يتصرف كزعيم باذخ. فخلال السنوات الأربعة الماضية فقط، بلغت الأموال المرصودة لبناء القصر الرئاسي في العاصمة أنقرة، إلى جانب قصري أخلاط شرق البلاد، ومنتجع بحر مرمرة غربها، قرابة مليار دولار، هذا غير التكلفة السنوية لجيش الموظفين والمدراء والمصاريف اليومية لتلك القصور".