مع إحكام حركة طالبان السيطرة على أفغانستان، بات المواطنون الأفغان يتوجسون في أي خطوة يخطونها، وفي أذهانهم أشباح الأهوال التي عاشوها قبل 20 عاما، عندما كانت الحركة تحكم البلاد وتفرض قوانينها المتشددة.
ويصف عدد من سكان العاصمة الأفغانية مشاهد الخوف التي سيطرت عليهم نتيجة تكرر حوادث إطلاق النيران، بينما تساءل آخرون عن مدى استمرار الهدوء النسبي هناك معتقدين أن ذلك يرتبط بسلوك طالبان.
موقع "سكاي نيوز عربية" تواصل عبر البريد الإلكتروني مع عدد من المواطنين الأفغان الذين يقطنون العاصمة كابل، لمعرفة ما يحدث في العاصمة الأفغانية عن قرب، وما تحمله نفوسهم من مشاعر في هذه اللحظات الفاصلة من تاريخ بلادهم.
الخوف يطوق كابل
البداية كانت مع مواطنة أفغانية تعمل لدى مؤسسة أميركية تنموية غير هادفة للربح في العاصمة الأفغانية.
تصف الناشطة الأفغانية، التي فضلت عدم كشف هويتها، المشاهد الأولى لسيطرة طالبان على العاصمة كابل، إذ تقول: "مع بداية السيطرة الكاملة لطالبان على المدينة، لم تتوقف أصوات إطلاق النار في المكان الذي أعيش فيه، وسادت حالة من الهلع، وأصيب أطفالنا وكبار السن وجميع الجيران بالقلق والذعر".
وتضيف "قبل مجيء طالبان كنت أستطيع العودة إلى المنزل في وقت متأخر، وفي العادة كنت أعود في التاسعة مساءً، أما الآن، لا يُسمح للرجال بالخروج بعد التاسعة مساءً، إذا كان هذا هو الأمان فنحن نفضل الموت".
وتقول السيدة الأفغانية إنها فقدت وظيفتها، وأصبحت بلا عمل وهي العائل الوحيد لأسرتها، حيث تلقت السبت بريدا إلكترونيا يخبرها بتعليق عملها.
وتردف: "أنتظر تصرفات طالبان غير المتوقعة، التي تنتهي بحياتنا حيث أثبت التاريخ أن الطالبان هم الأشخاص الذين لم يغيروا شيء أبدا ولا يهتمون بحقوق الإنسان".
وتتابع: "سمعت من زملائي في أماكن أخرى أنهم غادروا منازلهم لأن الطالبان يفتشون منازلهم، وكمثال، يفتشون المنازل في ضاحية "خوشحال خان" غربي مدينة كابل.
وعن وجود مضايقات للنساء في شوارع العاصمة من قبل مسلحي طالبان، تقول: "لم تحدث مضايقات بعد، ولا تحاول أي امرأة الخروج من منزلها، إذ لم تعلن طالبان عن شروطهم تجاه النساء، فهم يركزون الآن على الحفاظ على أنفسهم والسيطرة على السلطة".
السيدة الأفغانية، لا تصدق ما يقوله قادة طالبان في وسائل الإعلام، وما يبدونه من تسامح، فتقول: "لا يمكننا تصديق أفكارهم في وسائل الإعلام لأنها تتغير في كل ثانية، وكمثال في يومهم الأول أعلنوا في وسائل التواصل الاجتماعي "أننا على أبواب مدخل كابول ولن ندخل حتى القرار النهائي"، ولكن الحقيقة أن قواتهم كانت تأخذ أماكنها في جميع أنحاء المدينة".
وتؤكد: "هم يتصرفون بهدوء فقط للتباهي في وسائل الإعلام، ولكن الواقع شيء آخر، ويمكننا القول أن الوضع سيكون أسوأ مما كان عليه قبل 20 عاما".
وتختتم الناشطة الأفغانية حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية قائلة": "طلبي من الولايات المتحدة، على الأقل، إنقاذ هؤلاء الأشخاص الذين عملوا معهم".
سلوك غير متوقع
زماريالي أباسين، رئيس قسم الإعلام والاتصال، في هيئة المعايير الوطنية الأفغانية التابع لوزارة التجارة والصناعة، يصف الوضع من داخل العاصمة كابل، حيث تنقل داخلها خلال اليومين الماضيين.
يقول وفقا للمشاهدة العينية إن الغالبية العظمى من جنود طالبان تحت سن الثلاثين، كما أنهم يجوبون المدينة في دوريات مستمرة بسيارات "همفي" الأميركية مع حراسة مسلحة بالكامل.
ويضيف أباسين لموقع "سكاي نيوز عربية" أن جنود يديرون حركة المرور وحراسة المباني الهامة.
ويردف: "مستوى الذعر ينخفض، وسلوك طالبان مهذب؛ لم أكن أتوقع أن تتصرف طالبان على هذا النحو من قبل؛ حيث أن الخوف والرهاب الذي أصابني آخذ في التناقص".
ويلفت أباسين إلى أن من الملاحظ "أن الحفاظ على النظام في المدينة من أولويات طالبان"، مؤكدا أنه يمارس عمله بشكل طبيعي، لكنه ليس متأكدا ما إذا كانوا سيبقون على حالهم أم ستتغير الأمور؟
ويستطرد: "على الأقل لا خوف من الهجمات الانتحارية الآن، لكن الأمر يرتبط المستقبل بسلوك ونهج طالبان تجاه الناس والسياسات، التي أنا متأكد من أنهم قد رسموها بالفعل".
أسباب الخوف
مواطن أفغاني آخر يعمل مترجما، رفض ذكر اسمه خوفا على سلامته، يقول إن الحياة في كابل تعمل بشكل طبيعي، حيث لم تنقطع خدمات الكهرباء، والإنترنت، أو البنوك، لكن كثير من المتاجر لا تزال مغلقة.
ويعدد الرجل في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" أسباب المخاوف من حركة طالبان، إذ يخشاهم الناس بسبب ما فعلوه خلال العشرين سنة الماضية من حربهم ضد الحكومة الأفغانية السابقة والقوات الأجنبية، إلى جانب سلوكهم المتشدد مع الشعب.
ويردف: "كما يخشى البعض المسلحين المتشددين بسبب تعاونهم مع القوات الأجنبية، أو الحكومة الأفغانية السابقة، إلى جانب أن البعض يخاف من طالبان لأن أسلوب حياتهم لا يتماشى مع قوانين طالبان".
ويضيف "على الرغم من أن سلوك طالبان مع الناس جيد حتى الآن في كابل، إلا أنه تم الإبلاغ عن حوادث سوء معاملة وحتى "القتل" في بعض المناطق الأخرى من البلاد في بداية سقوط الولايات.