بالرغم من حملات "المواجهة الخطابية والإعلامية" التي تستمر حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشنها ضد إسرائيل، إلا أن وزير خارجية تركيا أعلن فجأة في مؤتمر صحافي مع وزير البيئة والتوسع العمراني التركي عادل قرايسمايل أوغلو أن حكومته استأجرت طائرتين إسرائيليتين مختصتين بإطفاء الحرائق، وأنهما ستصلان إلى تركيا اليوم.
إعلان وزير الخارجية التركي يأتي عقب شهور من حملات التصعيد التي تشنها الأذرع السياسية والإعلامية المرتبطة بحزب العدالة والتنمية على إسرائيل عقب حرب غزة الأخيرة، حيث كانت تصف إسرائيل بـ"العدو المطلق"، في وقت ترفض فيها الحكومة التركية التعاون المثمر وتلقي المساعدات اللوجستية العاجلة من دول الاتحاد الأوروبي الأقرب إلى تركيا، والأكثر امتلاكاً للقدرات العملية القادرة على التعامل مع مثل هذه الحالات.
المعلقون الأتراك على وسائل التواصل الاجتماعي شنوا حملة انتقادات واسعة على حكومة حزب العدالة والتنمية بسبب تناقض تصريحاتها السياسية والخطابية المُعلنة مع سياساتها الفعلية المباشرة. كذلك قارنوا بين الفارق الهائل بين قدرات تركيا وإسرائيل حتى في هذا التفصيل المدني. ففي حين أن الغابات والأحراج التركية هي أربعون ضعفا لما يماثلها في إسرائيل، إلا أن تركيا لا تملك سوى ست طائرات إطفاء مختصة، في حين تملك إسرائيل 14 طائرة أميركية الصنع من طراز "Air Tractor" الأكثر فاعلية من أساطيل إطفاء الحرائق على مستوى العالم.
وزير الخارجية التركي أعلن خلال نفس المؤتمر الصحافي إن بلاده تلقت عروضاً بالمساعدة في إطفاء الحرائق المُندلعة في العديد من مناطق جنوب غرب تركيا، وأن دول ألبانيا واليونان ومقدونيا وإيطاليا القريبة عرضت تقديم كل مساعدة ممكنة. الوزير التركي لم يُعلن ما تم طلبه والتوافق بشأنه مع هذه الدول، خلا القول إن بلاده شكرت هذه الدول على عروضها. وهذا الأمر يعني تخلي تركيا عن طائرات CL-215و CL-415 الكندية الصنع، الموجودة والمخزونة ضمن أسطول القوات الجوية اليونانية.
الحكومة التركية، وبعد استنفار جميع طاقاتها وقُدراتها في مختلف القطاعات، أظهرت عجزاً تماماً في التعامل مع موجة الحرائق الهائلة التي تجتاح البلاد، فمجموع الآليات المستخدمة في العمليات تُختصر على ست طائرات مختصة واثنتين مُسيرتين إلى جانب 17 مروحية و1800 مركبة إطفاء، وهي حسب المعايير التقليدية لمساحة البلاد وعدد السكان ونسبة الغابات فإنها تُعتبر من أضعف الأساطيل في العالم.
الباحث السياسي التركي نهران حميدي أوغلو شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية حصيلة الاستراتيجية الشعبوية التي يتبعها الرئيس أردوغان والحلقة الضيقة المحيطة به من المستشارين "تكشف حادثة استئجار الطائرات المختصة من إسرائيل مدى الفروق الهائلة بين ما تقوله الحكومة التركية وما تمارسه فعلياً على الأرض. فبعد سنوات من العداوة الخطابية لإسرائيل، تكشف الحكومة عن علاقة وئام وتواصل حميمية مع إسرائيل. على العكس تماماً، فإن جميع الدول الأوروبية التي تملك برامج تنمية استراتيجية لتركيا، بالذات في القطاعات المدنية، لا تلق إلا رفضاً وتعنتاً تركياً، لأن سلطة العدالة والتنمية تعرف من طرف إن مواجهة إسرائيل خطابياً سيزيد من مستويات التصاق الطبقات الاجتماعية القومية اليمينية بحزب العدالة والتنمية. على الجانب الآخر، فإن التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي سيفرض على الحكومة مزيداً من الالتزامات في ملفات حساسة بالنسبة لها، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان".
الإعلام التركي المرتبط بحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، أظهر طوال الأسبوع الماضي دوراً مُضخماً لأنظمة قريبة من الرئيس أردوغان فيما قدمته لتركيا في أزمة الحرائق التي تواجهها، مثل أذربيجان وباكستان وجمهورية ما يسمى بـ شمال قبرص (التي تعترف بها تركيا فقط)، بالرغم من إن المساعدة الأذربيجانية اختصرت على عشرة أفراد فحسب، والطائرة التي كانت وعدت بإرسالها ظهرت وأنها تحت الصيانة، ومساعدة جمهورية شمال قبرص اختصرت على زيارة رمزية للرئيس آرسين تتار.
حجم التعويضات التي أعلنت الحكومة التركية إنها منحتها للمتضررين كشفت بعداً آخر لعجز الحكومة التركية. إذ أعلنت أنه تم دفع مبلغ 13 مليون ليرة تركيا لـ912 شخصاً مُتضرراً، أي أن الشخص الواحد حصل على ألفي دولار فحسب، وهو مبلغ زهيد للغاية مقارنة بحجم الأضرار.
صحيفة الفايننشال تايمز نقلت في تقرير موسع الأخطاء وأشكال التخبط التي تمارسها حكومة العدالة والتنمية في التعامل مع أسوأ كارثة تواجهها منذ عقدين من الزمن. ونقلت الصحيفة عن رئيس بلدية مدينة مرماريس المعارض محمد أوقطاي قوله "حيث احترق نحو 13 ألف هكتار من الغابات واستمرت الحرائق في أماكن كثيرة، لم أر أية طائرات، ويكاد يكون من المستحيل التدخل من الأرض بسبب التركيبة الجغرافية. لذلك، تسير النيران في مسارها الطبيعي. لسنا مستعدين بشكل واضح".
كذلك تضمن تقرير الصحيفة كلاماً للنائب عن حزب الشعوب الديمقراطي من مدينة أنطاليا ساروهان أولوتش بالقول "إن رفض اتفاقيات تغير المناخ هو جزء من رؤية الحكومة للبيئة كشيء يجب استغلاله وليس حمايته. وعدم الاستعداد والإهمال، بما في ذلك قلة الطائرات، هو نتيجة سياسات إهمال طويلة الأمد مارستها الحكومة التركية".