يخلد اليابانيون، يوم الجمعة، الذكرى الـ 76 لضحايا قنبلتي "هيروشيما وناكازاكي"، التي نجمت عنها خسائر بشرية فادحة، كما خلفت تبعات نفسية راسخة في ذاكرة الشعب الياباني.
وقامت الولايات المتحدة، في أغسطس عام 1945، أثناء الحرب العالمية الثانية، بينما كانت اليابان تستضيف دورة الألعاب الأوليمبية، بإلقاء قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، تلاها قصف ثان، بعد نحو ثلاثة أيام، في مدينة ناكازاكي.
وفي حديثه لـ"سكاي نيوز"، قال الباحث المتخصص في الشأن الياباني، أحمد عبد الحكيم، إن إلقاء طائرة أميركية قنبلة ذرية على هيروشيما وناكازاكي كان بمثابة أول اختبار لهذا السلاح في حروب بين دول، مما تسبب في صدمة وتخوفات سياسية.
وأضاف أنه ظهرت "ظلال سوداء للبشر إثر الانفجارات القوية والانبعاثات النووية التي حدثت، وقد انتشرت هذه الظلال والآثار عبر الأرصفة والمباني في هيروشيما وناكازاكي، وعقب انفجار كل قنبلة، ظهرت أضواء كثيفة ومخيفة وحرارة شديدة من نقطة الانفجار".
ويلفت الباحث المتخصص في الشأن الياباني إلى أن القنبلة الذرية التي استخدمت من قبل الولايات المتحدة، للمرة الأولى، عام 1945، كانت تغذيها مادتا اليورانيوم 235، والبلوتونيوم 239، وهاتان المادتان تسببتا بموجات شديدة من الحرارة والإشعاع، الأمر الذي ترتب عليه مقتل عشرات الآلاف، فضلاً عن الإصابات العنيفة على خلفية تلوث المياه نتيجة الإشعاعات النووية.
وإلى ذلك، قال السفير الياباني في القاهرة، ماساكي نوكي، إنه يأمل في أن يعم السلام وأن يكون العالم خاليا من السلاح النووي.
وقدم السفير التعازي إلى الشعب اللبناني، الذي فقد عشرات الضحايا وإصابة الآلاف، بسبب انفجار مرفأ بيروت، لافتا إلى ما يردده بعض الأشخاص من لبنان يقولون بأن هذا الانفجار "يشبه القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما".
وتابع السفير الياباني "القنبلة الذرية سقطت على هيروشيما في يوم 6 أغسطس من عام 1945، مما أسفر عن مصرع ما يقرب من 310 آلاف شخص، كما أسقطت القنبلة الذرية على ناكازاكي أيضا في يوم 9 أغسطس من نفس العام، مما أدى لمصرع حوالي 180 ألف شخص، وحتى فيما بعد ذلك، راح الكثيرون ضحية الآثار الجانبية ومضاعفات القصف النووي، وما زال البعض منهم يعانون حتى الآن".
سعيٌ إلى السلام
ووفقا لماساكي، فإن اليابان تتعهد مجددا بالتعاون مع المجتمع الدولي من أجل خلق عالم يسوده السلام الدائم ويكون خاليا من الأسلحة النووية.
يصف الباحث المصري المتخصص في السياسة الدولية، محمد الديهي، حادثة هيروشيما وناكازاكي بأنها من "أسوء العمليات في ذاكرى التاريخ البشري، حيث راح ضحيتها مئات آلاف من البشر، وبمجرد أن تذكر تفجير القنبلة النووية يعيد للأذهان الخطر دائما الذي يهدد المجتمع الدولي من احتمالات استخدام تلك الأسلحة المهددة للأمن الانساني، مرة أخرى، في حال تجدد أي صراع عسكري.
وفي هذا السياق، عملت الأمم المتحدة منذ نشأتها على الحد من انتشار السلاح النووي، بحسب الديهي، ومن ثم، حظر استخدامه لما يسببه من كوارث، ولكن تظل تلك الجهود ضئيلة، خاصة في ظل امتلاك قوي دولية الآلاف من الرؤوس النووية، بل إن الحديث عن احتمالات استخدامها يظل متواجداً حتي اليوم، فأثناء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ترجح بعض التقارير استخدام تلك الأسلحة.
ووفق الباحث المتخصص في السياسة الدولية، فإن هذه الأسلحة المدمرة تظل هي التهديد الحقيقي للبشر، خاصة في ظل عدد من المتغيرات أولها "الاستخدام التكنولوجي للأسلحة في الحروب، مما يعني أن أي هجوم سيبراني على قواعد عسكرية بها روس نووية، قد يعرض العالم لخطر الانبعاثات النووي، حتي ولو عن طريق الخطأ".
وتفاقم من تلك المخاطر "الصراع والتنافس الجيو سياسي بين بكين وواشنطن، أو ما يعرف بالحرب التجارية والاقتصادية التي يخشي الجميع مخاطر تحولها لحرب بين الدولتين، وهو ما يعني أن العالم أمام سيناريو حرب عالميه بين قوى عظمى، خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر الدور الصيني، تهديدا وجوديا ورئيسيا لها، حسبما ورد في وثيقة الأمن القومي الصادرة عن البيت الأبيض في أعقاب تولي جو بايدن للحكم".
ولذلك "يجب فعليا عدم العودة مرة أخرى إلى مرحلة الحرب الباردة، والتسابق بين الأقطاب الدولية على عملية التسليح النووي، بل يجب التخلص نهائيا من تلك الأسلحة النووية، نظراً لخطورتها على الجميع ودون استثناء.. ربما لم تعد الأسلحة النووية هي أسلحة الردع الوحيدة في المجتمع الدولي وهناك أسلحة أخري أصبحت أكثر خطرا، إلا إن الدمار الذي تسببه القنبلة النووية خطير للغاية وتتوارثها الأجيال".
حافة الهاوية
ويشرح مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، هاني سليمان لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هيروشيما وناكازاكي تعبر عن نقطة التأزم السياسي في العلاقات الدولية؛ بحيث لم يكن هناك خيارات متاحة سوى الوصول لحافة الهاوية في ظل أفول وانغلاق سياسي.
ونقطة الأفول قائمة ومتاحة طوال الوقت في العلاقات الدولية، بحسب سليمان، وهو ما يضع مسؤولية ضخمة على مدى كفاءة النظام الدولي ومؤسساته والفاعلين الأساسيين فيه، بحيث باتت هناك أهمية قصوى لضمان عدم الوصول مرة أخرى لتلك النقطة.
ويردف "هناك تحديات كبيرة وجديدة موجودة الآن على المستوى العالمي، مختلفة تماما عن حادثة هيروشيما، تهدد المجتمع الدولي؛ وهذه التحديات غير التقليدية تتمثل في جائحة كورونا، ومواجهة الإرهاب العالمي، وتقلبات المناخ وآثاره من الفيضانات وحرائق الغابات، وهي ظواهر وتحديات عالمية تستدعي ضرورة تضافر الجهود لمواجهتها وتجاوز الخلافات، والاستفادة من درس هيروشيما، بالانتصار للإنسانية والقيم".
وتستدعي هيروشيما المسؤولية الدولية لمنع الانتشار النووي تجنباً للتهديدات، ومن أجل دعم فرص الاستقرار والسلام، وتوظيف القدرات النووية لأغراض سلمية تنموية لتقدم الأمم، حسبما يوضح المصدر ذاته، وهو ما يستدعي العمل على ضبط سلوك بعض الدول ومنع حصولها على قنبلة نووية ووقف البرنامج النووي الإيراني، وتوجيهه لأغراض مدنية.
وما يشهده العالم المعاصر من أزمات ومراحل صدام قوية، أطلق عليه العالم السياسي الأميركي جيمس روزناو "عصر الاضطراب العالمي"، ولذلك، يرى مدير المركز العربي للبحوث والدراسات أنه في أوقات معينة يكون ذلك أصعب من فترة الجمود السياسي كما في مرحلة هيروشيما، لكن الجديد هنا هو اختلاف آليات المواجهات وميادين المعركة، لتتحول لأشكال اقتصادية وحرب ناعمة ومواجهات غير مباشرة، لأن كلفة المواجهة ستكون أشد وأوسع من مرحلة هيروشيما، في ظل تقدم الآلة العسكرية، وقدرات الردع".