من أمام المسرح العام وسط العاصمة الإيرانية طهران، وتضامناً مع انتفاضة الأهواز المستمرة منذ أكثر من أسبوعين، تظاهر المئات من الطلبة الإيرانيين يوم أمس، مرددين شعارات على الأكثر وضوحاً منذ بداية موجة التظاهرات الأخيرة "من خوزستان إلى طهران. الوحدة وحدها تنقذنا"، "الموت للديكتاتور"، "الإيرانيون يقبلون الموت ولا يقبلون الإذلال"، "كل شيء أفضل من بقاء الديكتاتور".
وفي ردة فعل سريعة على التظاهرة المفاجئة، استقدمت قوات الأمن الإيرانية العشرات من سيارات الإطفاء، وهاجمت المتظاهرين بخراطيم المياه، ثم ألقت العشرات من القنابل المُسيلة للدموع، وبدأ قرابة 300 رجال أمن مسلحين بالعصي الكهربائية بالهجوم على المُتجمهرين، حسبما روى شهور عيان لسكاي نيوز عربية، واعتقلوا 9 منهم، كانوا من المتحدثين أثناء التجمع.
تظاهرة مسرح مدينة طهران المركزي تلاها مباشرة تظاهرة بالقرب من ملعب آزادي الشهير شمال العاصمة، وبعد انتهاء مباراة لفريق "نارماك" المحلي، نزل المتظاهرون إلى الشوارع المحيطة بالملعب، وهتفوا "الموت للدكتاتور"، "لا غزة ولا طهران.. حياتي فداء من أجل إيران".
قوات الأمن التي توجت سريعاً للهجوم على التظاهرة الرياضية في منطقة "طهران بارس"، تم مواجهتها من المتظاهرين بإضرام النار في العديد من الشوارع، لمنع سيارات الأجهزة الأمنية من الوصول إلى مكان التجمهر الرئيسي، وصارت الأصوات تصدر من الأبنية السكنية المحيطة بأماكن توقف السيارات "الموت للولي الفقيه"، "أعيدوا أموال الإيرانيين"، "فليعطش أولادكم كما أولادنا".
وحينما توسعت التظاهرة في تلك المنطقة، حتى هرعت الأجهزة الأمنية الإيرانية لإغلاق "ساحة صادقي" القريبة، التي كانت فيما سبق مركزاً لتجمع آلاف المتظاهرين، وأغلقتها تماماً، فتسبب الأمر باختناقات مرورية.
قبلها بساعات قليلة، كان العمال في معملي السُكر والصناعات الغذائية شرق العاصمة طهران قد تظاهروا في الشوارع المحيطة بالمعمل، مطالبين بصرف مستحقاتهم وتحسين شروط عملهم في أجواء الصيف الحارة، لأنهم يفتقدون للإنارة والتكييف المناسب، مرددين "الموت للمرشد الأعلى على كل جرائم السنين"، "لا بالدبابات ولا والبنادق، خامنئي يجب أن يموت بأصواتها".
الأحياء العشوائية جنوب العاصمة طهران، شهدت العديد من الكتابات على جدران الاحياء السكنية، قالت كلها "لا بد من إنهاء الفاشية في البلاد"، "الدين في المساجد والحرية في الشوارع"، مع صور كاريكاتورية للمرشد الإيراني.
تظاهرات طهران، التي انتشرت أمس السبت في مختلف أنحاء العاصمة، ورددت شعارات متطابقة، لاقتها المئات من المنشورات والكتابات الجريئة التي نشرها المثقفون وقادة المجموعات العُمالية على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، مُعبرين عن تضامنهم مع المتظاهرين في مختلف طهران، مطالبين بتشكيل منبر موحد، يُستطاع منه تحديد موعد موحد لمختلف التظاهرات في الوقت عينه.
كذلك كانت تلك التظاهرات عقب تظاهرات يوم الجمعة، التي اندلعت في مناطق بهارستان وشوشتار وآراك ودخلوران ودزفول وقزوين، والتي كانت الأوسع انتشاراً منذ اندلاع الانتفاضة في منطقة خوزستان قبل أسبوعين، وصدمت السُلطة الإيرانية لمدى تطابق الدعوات والشعارات بين مختلف الجهات.
المعارضة الإيرانية زادت من مستويات تفاعلها مع التظاهرات الميدانية التي صارت تندلع حتى في وسط العاصمة، وتجذب مختلف القطاعات المجتمعية في البلاد، إذ أصدرت بياناً حاداً في مواجهة السُلطة "الانتفاضة التي بدأت بصرخة أهل الأهواز مطالبين بالمياه والحرية، لن تتوقف وستستمر في أركان البلاد الأربعة من خلال الانتفاضات. من خلال قطع الإنترنت، يسعى خامنئي إلى منع صرخة الناس من الوصول إلى العالم. لكن نظام الملالي ليس لديه مخرج من الإطاحة به التي لا مفر منها.
الباحث والكاتب الإيراني بهروز شمراخي شرح، في حديث مع سكاي نيوز عربية، المعضلة التي يعاني منها الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي قبل أسابيع من تولي منصبه بشكل رسمي "يعرف الرئيس الجديد، ومعه رؤساء الأجهزة الأمنية من المقربين منه، أن الأوضاع في إيران راهناً لا تشبه ما كانت عليه خلال الثورة الخضراء في العام 2009، ولا حتى مثل قبل عامين حينما اندلعت انتفاضة الوقود في أواخر العام 2019، وأودى العنف آنذاك بحياة 4500 إيراني وأسكت الانتفاضة".
يتابع شمراخي في حديثه مع سكاي نيوز عربية: "بعد عشرين يومين من المواجهة الوحشية، لم يسكت أهل خوزستان، بالرغم من انتفاضهم وحيدين، وليس من المؤكد أن يكون استعمال المزيد من العنف ذو فاعلية، خصوصاً وأن الإيرانيون منذ أسبوع يتناقلون فيما بينهم رسائل تضامنية عددية، يتجاوزون فيها حساسياتهم القومية والدينية والطائفية، حيث تأخذ المجريات أحداث العام 2009 أكثر من أي شيء آخر. لذا يخشى رئيسي من اتخاذ خطوات غير مدروسة، ففي كلا الحالتين، سواء الكثير من العنف أو الكثير من الليونة، قد يؤدي للأمر نفسه، خروج الانتفاضة عن السيطرة".