كشفت دراسة حديثة أن الجفاف الكبير والحرائق في غابات الأمازون المطيرة، تسببتا في قتل مئات الملايين من الأشجار والنباتات، وتحويل جزء من المنطقة التي توصف بـ"رئة الأرض" إلى أحد أكبر مصادر التلوث.
ورصدت الدراسة المنشورة مؤخرا بمجلة "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" الأميركية، خسائر أشجار الأمازون نتيجة الحرائق والجفاف، إذ قدرتها بنحو 2.5 مليار شجرة.
وتخزن غابات الأمازون والغابات الاستوائية الأخرى بين 90 و140 مليار طن من الكربون، مما يجعلها تسهم في استقرار المناخ، وتحظى الأمازون وحدها بنحو 10 بالمئة من الكتلة الحيوية بالأرض.
وبحسب العلماء، تسببت ظاهرة "النينيو" بين عامي 2015 و2016 في جفاف شديد، وما ارتبط به من حرائق الغابات التي نتجت عنها، إلى جانب موت مئات الملايين من الأشجار والنباتات.
كما تسببت الظاهرة بانبعاثات قدرت بـ495 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، من منطقة تشكل 1.2 بالمئة فقط من كامل غابات الأمازون المطيرة البرازيلية.
وتعد "النينيو" ظاهرة مناخية عالمية تحدث عندما يؤثر تغير درجات الحرارة في أحد المحيطات على الطقس بمنطقة أخرى بعيدة، وتنتج عنها تغييرات هائلة في الأحوال الجوية ويمكن أن تؤدي إلى حالات جفاف.
وعمل الفريق الدولي بقيادة علماء من جامعتي لانكستر وأكسفورد والمؤسسة البرازيلية للبحوث الزراعية، لأكثر من 8 سنوات في دراسة طويلة الأمد بمنطقة الأمازون، قبل وأثناء وبعد ظاهرة "النينيو"، حيث اكتشفوا النتائج الصادمة، التي لها آثار كبيرة على الجهود العالمية للسيطرة على توازن الكربون في الغلاف الجوي.
أضرار مهولة
وفقا للتنبؤات المناخية، ستصبح حالات الجفاف الشديدة أكثر شيوعا، وحتى الآن لم تكن الآثار طويلة المدى للجفاف والحرائق على غابات الأمازون المطيرة معروفة إلى حد كبير، لا سيما داخل الغابات التي تتضرر من أنشطة مثل قطع الأشجار الانتقائي غير القانوني.
لكن عند فحص "مركز الأمازون" لظاهرة "النينيو" في منطقة تاباغوس السفلى في البرازيل التي تقع شرق الأمازون وتبلغ مساحتها حوالى ضعف مساحة بلجيكا، وجد الفريق الدولي أن الأضرار تمتد لعدة سنوات.
وكشفت الدراسة أن الأشجار والنباتات في الغابات المتضررة من الجفاف، وكذلك الغابات المحترقة، استمرت في الموت بمعدل أعلى من الطبيعي لمدة تصل إلى 3 سنوات بعد خفوت ظاهرة "النينيو"، مما أدى إلى بقاء المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وكان إجمالي انبعاثات الكربون من الجفاف والحرائق في منطقة تاباغوس السفلى وحدها، أعلى من إزالة الغابات لمدة عام كامل في منطقة الأمازون بأكملها.
ونتيجة للجفاف والحرائق، أطلقت المنطقة على مدى 3 سنوات ما يعادل انبعاثات الكربون السنوية التي تصدرها بعض البلدان الأكثر تلوثا في العالم، متجاوزة انبعاثات البلدان المتقدمة مثل بريطانيا وأستراليا.
وبعد 3 سنوات، تمت إعادة امتصاص حوالى ثلث (37 بالمئة) الانبعاثات فقط، عن طريق نمو النبات في الغابة.
ويوضح هذا أن وظيفة الأمازون الحيوية كـ"بالوعة كربون" يمكن إعاقتها لسنوات بعد أحداث الجفاف هذه.
وقالت الدكتورة إيريكا بيرنغير المؤلف الرئيسي للدراسة: "تسلط نتائجنا الضوء على الآثار المدمرة للغاية وطويلة الأمد التي يمكن أن تسببها الحرائق في غابات الأمازون، وهو نظام بيئي لم يتطور مع الحرائق ويمثل ضغطا منتظما".
وجمع العلماء البيانات من خلال إعادة النظر بانتظام في 21 قطعة من أراضي الغابات المعاد نموها، والغابات المتضررة من قطع الأشجار بشكل انتقائي.
التدخل البشري
ورغم أن الأبحاث السابقة أظهرت أن الغابات التي ينميها الإنسان أكثر عرضة للحرائق، فإنه لم يكن معروفا ما إذا كان هناك أي اختلاف في قابلية التأثر ومرونة الأشجار والنباتات في هذه الغابات عند تعرضها للجفاف والحرائق.
ووجد الباحثون أن الأشجار والنباتات ذات الكثافة الخشبية المنخفضة واللحاء الرقيق كانت أكثر عرضة للموت من جراء الجفاف والحرائق، وهذه الأشجار الصغيرة أكثر شيوعا في الغابات التي ينميها الإنسان.
ويقدر الباحثون أن حوالى 447 مليون شجرة كبيرة ماتت، بينما نفقت نحو 2.5 مليار شجرة أصغر في أنحاء منطقة تاباغوس السفلى.
وكانت انبعاثات الكربون من تلك الغابات التي ضربتها الحرائق أعلى بـ6 مرات تقريبا من الغابات المتضررة من الجفاف وحده.
وتسلط هذه النتائج الضوء على أن التدخل البشري يمكن أن يجعل غابات الأمازون أكثر عرضة للخطر، وتؤكد على الحاجة إلى الحد من قطع الأشجار غير القانوني وغيره من الأنشطة البشرية واسعة النطاق في الأمازون، فضلا عن ضرورة الاستثمار في قدرات مكافحة الحرائق بالمنطقة.
وتعليقا على هذه النتائج، قال البروفيسور جوس بارلو من جامعة لانكستر والجامعة الفيدرالية في لافراس، الباحث الرئيسي في الدراسة: "ظهرت الحاجة إلى العمل على مستويات مختلفة على الصعيد الدولي. نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ، في الوقت الذي ترتفع به احتمالية حدوث حالات الجفاف الشديد والحرائق".
ويتابع بارلو: "على المستوى المحلي (في غابات الأمازون)، ستعاني الغابات عواقب سلبية أقل من الحرائق إذا ما تمت حمايتها من التدهور".