بصيغة حادة عبرت القاهرة عن استياءها الشديد من الإجراءات التركية بشأن إعادة فتح جزيرة فاروشا القبرصية، جزئيا، المهجورة منذ أن غزتها القوات التركية قبل عقود، وذلك بما يخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ووصف مراقبون البيان المصري الذي أعقب الإعلان التركي بساعات واستبق كافة الدول في إدانة التصرف التركي، بأنه جاء معبراً عن طبيعة التوتر التي تمر بها العلاقات المصرية التركية التي عادت إلى التأزم بعد شهور من المباحثات التي جرت بين البلدين بهدف التقارب.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان صحفي، على ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن، وتجنب أي أعمال أحادية قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع وتزيد من مقدار التوتر، مع ضرورة الالتزام الكامل بمسار التسوية الشاملة للقضية القبرصية وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
ويرى الباحث المصري المختص بالشأن التركي، صلاح لبيب، إن البيان المصري جاء حاسماً وعبر عن توجه الدولة المصرية برفض كافة الاستفزازات التي تمارسها تركيا في المحيط الإقليمي، وتؤدي إلى مزيد من التوتر في المنطقة.
وأوضح لبيب في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، إن الرد المصري يمكن قراءته في ضوء عاملين رئيسيين الأول هو التأكيد على متانة العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر وقبرص والتي شهدت تنامياً كبيراً خلال الفترة الماضية، والثاني هو عودة العلاقات المصرية التركية إلى التأزم من جديد وفشل التفاهمات بين البلدين.
ويصف لبيب استمرار هذه السياسيات من الجانب التركي بأنها تحدي كبير للدول الكبرى في المنطقة وفي مقدمتها مصر والسعودية، كما يمثل انتهاك صارخ للقانون الدولي وتجاوز لتحذيرات كافة الدول من مغبة الاستمرار بهذه السياسيات خاصة فيما يتعلق بالتنقيب غير الشرعي عن الغاز في منطقة شرق المتوسط.
ويرى الباحث المصري أن التفاهمات بين البلدين لم تنجح لعدة أسباب أهمها الإصرار على استمرار التواجد العسكري التركي في ليبيا وكذلك دعم المرتزقة، واستمرار التحركات الآحادية في مياه شرق المتوسط، فضلا عن استمرار الدعم الذي تقدمه أنقرة للتنظيمات الإرهابية منذ عام 2014، ورفض تسليم المطلوبين لدى القاهرة وهو ما أكده الرئيس التركي من خلال تصريحاته الأسبوع الماضي رفض فيها تسليم المطلوبين لمصر أو سوريا.
ويؤكد لبيب على تناقض المشروعين التركي والمصري في المنطقة للحد الذي يجعل التفاهمات أمراً صعباً، خاصة أن أردوغان يتبنى مشروع توسعي للسيطرة والهيمنة على حساب الدور المصري وهو الأمر الذي تصدت له القاهرة ونجحت في إحباطه.
ويؤكد "لبيب" أن حكومة العدالة والتنمية لن تتخلى عن مشروعها الداعم للإسلام السياسي والقلاقل في المنطقة مقابل التوافق الاستراتيجي مع مصر، مؤكدا أن مشروعي القاهرة وأنقرة متناقضان ولا يمكن التقريب بينهما خاصة على مستوى التحالفات الخارجية والملفات الإقليمية.
وفي تصريحات سابقة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده موجودة في ليبيا وأذربيجان وسوريا وشرقي المتوسط وستبقى، ما اعتبره محللون عودة إلى سياسة التصريحات العدائية والاستفزازية لدول المنطقة، وأنه مؤشر جديد على فشل المسار التفاوضي بين القاهرة وأنقرة.
وأعلنت مصر رسميا تجميد المفاوضات مع تركيا، بسبب الخلافات حول ثلاثة ملفات هم؛ التواجد التركي في الأراضي الليبية واستمرار دعم المرتزقة، والثاني هو الاستمرار في التنقيب غير الشرعي عن الغاز في مياه شرق المتوسط دون الوصول إلى اتفاق، والثالث يتمثل في استمرار تقديم الدعم التركي لجماعة الإخوان ورفض تسليم المطلوبين لدى جهات القضاء في مصر، فضلا عن التصريحات التحريضية لمستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي ضد مصر.
ويذكر أنه ساد الخلاف بين مصر وتركيا منذ 2013 خاصة بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان إثر الثورة، وتقديم أنقرة دعما ماليا ولوجسيتا للجماعة التي نفذت عمليات إرهابية استهدفت مؤسسات الدولة المصرية.
في الآونة الأخيرة، أشار كبار المسؤولين الأتراك إلى تحسن العلاقات مع مصر، في تحول عن نهجهم النقدي الحاد السابق تجاه حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الثاني عشر من مارس / آذار إن البلدين أجريا اتصالات "استخباراتية ودبلوماسية واقتصادية"، مضيفا أنه يأمل في علاقات "قوية" بين البلدين.
بعد أسبوع من تصريحات أردوغان، طلبت حكومته من ثلاث قنوات تلفزيونية مصرية مقرها إسطنبول، مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، تخفيف تغطيتها السياسية الانتقادية للحكومة المصرية، وتوقفت القنوات التلفزيونية على الفور عن بث بعض البرامج السياسي.