يبدو أن هناك سببين رئيسين وراء قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بإعادة افتتاح مدينة فاروشا التي تعرف أيضا باسم "مدينة الأشباح" في جمهورية شمال قبرص، غير المعترف بها دوليا.

والسببان هما، وفق مراقبين، استخدام المدينة ورقة لمساومة القوى الغربية، وزيادة وتيرة العصب القومي داخل تركيا.

وفاروشا مدينة في شرقي قبرص، مهجورة منذ نحو نصف قرن، أي منذ الاجتياح التركي للجزيرة المتوسطية في سبعينيات القرن الماضي.

وترك سكان المدينة منازلهم وأعمالهم بعد أن استولى عليها الجيش التركي، نظرا لأنهم من القبارصة اليونانيين الذين فضلوا الهجرة على الخضوع للأتراك، وقدر عددهم بنحو 50 ألفا آنذاك.

ومنذ ذلك الوقت أصدرت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عدة قرارات اعتبرت أن فاروشا يجب تبقى خاوية ومغلقة، لأن ملكيتها السياسية والعقارية تعود لدولة قبرص الشرعية، إلى أن يتم حل المسألة القبرصية عن طريق التفاوض.

لكن إعلان أردوغان الأخير جاء خلال زيارته إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي في قبرص، الثلاثاء.

أخبار ذات صلة

تركيا تلوح بـ"تقسيم فعلي" لجزيرة قبرص
بعد "استفزاز" أردوغان.. فرنسا تنضم لرافضي "إعادة فتح فاروشا"
واشنطن تدين مخطط أردوغان لإعادة فتح "مدينة الأشباح"
الاتحاد الأوروبي يندد باعتزام أردوغان إعادة فتح مدينة قبرصية

تنديد دولي

وقوبل موقف أردوغان بتنديد دولي، حيث دعت الولايات المتحدة وفرنسا إلى شجب الموقف التركي، وطالبت أردوغان للالتزام بتوجهات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن.

وأصدر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بيانا دان فيه للقرار التركي، معتبرا أن "قرارات دويلة شمال قبرص المعترف بها من قِبل تركيا فحسب، وبدعم من الرئيس أردوغان، إنما هي استفزاز غير مقبول، ولا تتوافق مع الالتزامات التي قطعها الطرفان أثناء عمليات التفاوض الثنائية، المرعية من الأمم المتحدة"، محذرا من أي خطوة تتخذ من جانب واحد.

وبدوره، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان ليف لودريان دعم باريس لدولة قبرص الشرعية، مطالبا خلال اتصال بنظيره القبرصي طرح المسألة في الأمم المتحدة بأسرع وقت.

خطوة سبقها تمهيد

الباحثة القبرصية المختصة في العلاقات اليونانية التركية ريفال بانسنيوسف، شرحت في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" الخط الاستراتيجي الذي يسير عليه أردوغان في مسألة مدينة فاروشا.

وقالت: "منذ 3 أعوام على الأقل، ثمة سعي تركي حثيث باستخدام آلية القضم المتتالي في التعامل مع المسألة القبرصية، للوصل إلى ما يعتبره الجانب التركي الحل النهائي الوحيد، أي تقسيم الجزيرة إلى دولتين".

وتابعت: "قبل عام واحد بالضبط، وأثناء الزيارة السنوية التي يقوم بها أردوغان إلى الجزيرة، أعلن الجيش التركي فتح ساحل المدينة أمام الزوار. تحمل أردوغان بعض الضغوط الدولية الشفهية، لكنه استمر فيما يحلو له".

وأضافت الباحثة: "واليوم، وبالإضافة للساحل، فإنه يعلن إعادة افتتاح المدينة نفسها، متجاوزا كل قرارات مجلس الأمن والحقوق العقارية المثبتة للسكان المهجرين. يظن في قرارة نفسه أن عددا من بيانات الشجب ستصدر، إلى أن تتمكن تركيا من خلق مساومة ما مع الولايات المتحدة والاستفادة من تناقضات دول الاتحاد الأوروبي، لتتحول تحركاته وقراراته إلى أمر واقع، وتاليا خلق وقائع جديدة".

وكانت المدينة الساحلية تعتبر من أبرز المقاصد السياحية في العالم، وتدعو قرارات مجلس الأمن الدولي تركيا إلى القبول بعودة السكان المحليين إلى منازلهم، وأن تكون المدينة تحت إدارة الأمم المتحدة، ومرتبطة شرعيا بدولة قبرص الرسمية، إلا أن أنقرة كانت ترفض ذلك الحل.

دوافع داخلية

الكاتب التركي المعارض شمسي دوغان، قال لموقع "سكاي نيوز عربية" إن هناك دوافع داخلية تحرض أردوغان على اتخاذ مثل هذه الخطوة.

وأضاف: "المهم بالنسبة له (أردوغان) الإيحاء بأن البلاد تواجه أزمة سياسية خارجية كبرى ذات أولوية وفاعلية مصيرية، وأن السكان البلاد وصحافتها وسياسييها يجب أن يعتبروها قضية البلاد، التي هو المتحكم الوحيد بها".

ويتابع دوغان: "في ظل هذه الأجواء، فإن أردوغان يكسب عواطف الطبقات الاجتماعية والسياسية التركية المتأثرة بالشعبوية القومية، هؤلاء الذين يمثلون عادة ثقلا انتخابيا يقدر بحوالى 25 بالمئة من الناخبين، حيث يمارس ابتزازا سياسيا متدفقا بحق القوى المعارضة، ليوحي وكأنها متعاطفة مع الطرف الخارجي".

ولا يعلق القبارصة اليونانيون آمالا على بيانات الشجب الأخرى التي يمكن أن تصدر، أو حتى اجتماع الأمم المتحدة بشأن هذه القضية.

ويقولون إنها لن تكون ذات تأثير يذكر على السلوك التركي وتوجهه الاستراتيجي للاستيلاء النهائي على المدينة، مذكرين أن العقوبات الاقتصادية القاسية التي قد تصدر عن الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوربي، أو القرارات الواضحة من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وحدها القادرة على إجبار أردوغان على التراجع.