في أسوأ موجة عنف تشهدها جنوب إفريقيا منذ عام 1994، ارتفعت حصيلة الضحايا إلى 117 قتيلا وأكثر من ألفي مصاب، في ظل صعوبات كبيرة تواجهها المستشفيات المكتظة أصلا بمصابي فيروس كورونا "كوفيد 19".
وتشهد عدة مدن في جنوب إفريقيا أعمال شغب وقتل ونهب عنيفة، احتجاجا على حكم بسجن الرئيس السابق جاكوب زوما، وانطلقت الأحداث من مدينة ديربان معقل قبيلة الزولو التي ينتمي إليها زوما الذين يشكلون نحو 30 بالمئة من التركيبة السكانية في البلاد.
وقدرت الخسائر الاقتصادية بنحو 15 مليار دولار، بحسب مصدر مطلع تحدث لموقع "سكاي نيوز عربية" عبر الهاتف من العاصمة الاقتصادية حوهانسبورغ.
توقعات متشائمة
توقع الصحفي سعيد عبد الله أن تكون الخسائر البشرية والاقتصادية لموجة العنف الحالية كبيرة جدا مقارنة مع الموجات السابقة.
وقال عبد الله لموقع "سكاي نيوز عربية" عبر الهاتف من جنوب إفريقيا، إنه رغم نشر نحو 25 ألف جندي في عدة مدن من بينها ديربان وجوهانسبورغ، فإن حصيلة القتلى ارتفعت بشكل كبير بسبب استمرار موجة العنف وعدم قدرة المستشفيات على التعامل مع المصابين في ظل المعاناة الكبيرة التي يشهدها القطاع الصحي المثقل بتبعات انتشار الموجة الثالثة من جائحة كورونا، إضافة إلى اتخاذ أعمال العنف الحالية بعدا قبليا وعرقيا خطيرا.
ووفق جبرائيل كوز المحلل السياسي المتهم بالشأن الجنوب إفريقي، فإن البعد العرقي يزيد من مخاطر الأحداث الحالية، وقد يطيل من أمدها إلى مدة يمكن أن تصل إلى 3 أسابيع قبل السيطرة عليها.
وتدور مخاوف جدية من أن تؤدي موجة العنف الحالية إلى المزيد من التشظي في النسيج المجتمعي الهش لجنوب إفريقيا.
وتتزايد حدة الاحتقان أكثر في ظل شعور مناطق ولايات كوازولو والكاب الشمالية، التي انطلقت منها أعمال العنف، بالتهميش.
وفي الواقع هناك مجتمعان شبه منفصلين في جنوب إفريقيا، الأول يحاكي الغرب والآخر نموذج حقيقي للدولة الفقيرة، ويظهر في الأحياء الشعبية التي تنقصها الخدمات العامة مما يزيد من الاحتقان المؤجج للصراع.
خسائر بالجملة
وفقا لإحصاءات أولية، فقد بلغت الخسائر المباشرة التي طالت الأسواق والمؤسسات الإنتاجية والخدمية نتيجة أعمال النهب وتوقف الإنتاج بأكثر من 15 مليار دولار.
ونظرا لأهمية مدينة ديربان، مركز موجة العنف الحالية، كميناء رئيسي للبلاد، تتزايد الآثار الاقتصادية التي برزت ملامحها في تخلص الأجانب من معظم الأسهم التي يمتلكونها.
وتأثرت 40 ألف شركة إضافة إلى أكثر من 50 ألف متجر بأعمال العنف والنهب، التي يشير عبد الله إلى أن عوامل كثيرة تساعد على تغذيتها، مثل معدلات الفقر العالية وارتفاع نسب البطالة إلى نحو 40 بالمئة، بحسب مصادر مستقلة.
وتبدو مناصرة الفقراء الورقة الرابحة التي يعتمد عليها أنصار زوما في حسم الأزمة الحالية، حيث يتميز الرئيس الذي حكم جنوب إفريقيا من مايو 2009 حتى استقالته في فبراير 2018، بشعبية كبيرة وسط الفقراء الذين يشكلون الأغلبية الساحقة.
وأدت الاضطرابات أيضا إلى تعليق النقل العام، مما حد من قدرة العمال على الوصول إلى أماكن عملهم.
وتشير بيانات إلى أن عمليات النهب دفعت إلى حالة من الركود الاقتصادي في نحو 60 بالمئة من مناطق البلاد، ومع اشتداد موجة العنف وتعرض مئات الشركات للنهب والسلب والتحطيم، أغلقت العديد من الأسواق والمحال التجارية الكبرى أبوابها، واضطر أصحابها لدفع مبالغ طائلة لشركات الأمن من أجل حمايتها.
تداعيات سياسية
ورغم أن البعد القبلي كان الغالب عند اندلاع أعمال العنف الحالية، فإنها ألقت بظلال قاتمة على الأوضاع السياسية في البلاد.
ومع اعتقال دودوزيل زوما ابنة الرئيس السابق، نأى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم الذي ينتمي إليه زوما بنفسه عن أعمال العنف الحالية.
وهناك جناحان هما الأكثر حسما للأزمة وتحديد مسارها في جنوب إفريقيا، الأول إصلاحي ويتزعمه الرئيس الحالي سيريل رامافوزا النائب السابق لزوما إضافة إلى الرئيس الأسبق تابو إيمبيكي، أما الثاني فيمثله مجموعة من مناصري التحول الاقتصادي الراديكالي، مثل زوما نفسه ومعه عدد من النقابات العمالية التي ترى أن الفقراء أصبحوا أكثر فقرا في ظل هيمنة الصفوة التي استفادت من قوانين تمكين البيض والرأسمالية والشركات العالمية من مفاصل الاقتصاد.
وبسبب أعمال العنف الحالية، انخفضت قيمة الراند، العملة المحلية، بما يصل إلى 3.4 بالمئة مسجلا أدنى مستوى له في أكثر من 3 أشهر، كما تراجعت أسهم شركات العقارات وتجارة التجزئة بنسب تصل إلى 7 بالمئة في يوم واحد، وشهدت السندات السيادية موجة بيع عالية خلال اليومين الماضيين.