في توجه تصعيدي تجاه دول الاتحاد الأوروبي، هدد رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بفتح حدود بلاده أمام عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين ليدخلوا إلى الدول الأوروبية.
وحسب تقرير نشرته مجلة "ديرشبيغل" الألمانية واسعة الانتشار، فإن لوكاشينكو قال في اجتماع حكومي لمسؤولي بلاده إن ألمانيا وعموم الدول الأوروبية يجب أن تنتبه بأن بلاده تستطيع أن تدفع بمئات الآلاف من المهاجرين الأفغان والعراقيين والسوريين إلى داخل أوروبا.
تصريحات رئيس روسيا البيضاء هذه، اعتبرها المراقبون للعلاقة الثنائية بين روسيا البيضاء والاتحاد الأوروبي بمثابة تهديد مباشر للأخير، مثلما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يفعل لسنوات، من خلال استغلال ملف المهاجرين للحصول على تنازلات سياسية واقتصادية من الاتحاد، لكن بالتحديد السعي لغض أوروبا النظر عن الملفات الداخلية لأنقرة، في مجال الشمولية السياسية والاعتداء على حقوق الإنسان والتدخل في شؤون الآخرين.
في التفاصيل، نقلت وسائل إعلام من روسيا البيضاء تصريحات عن رئيس بلادهم القول: "بلادنا لا يُمكن أن تتحول إلى وكر للمهاجرين غير الشرعيين، الفارين من الحروب، والراغبين في الهجرة إلى بلدان أوروبا المريحة، في وقت تحتاج فيه ألمانيا وباقي الدول الأوربية إلى عمالة رخيصة".
ونقلت تلك الوسائل الإعلامية عن الرئيس وباقي مسؤولي البلاد تصريحاتهم بأن بيلاروسيا ربما تسعى لإغلاق حدودها البرية أمام مرور البضائع التجارية من دول الاتحاد الأوروبي نحو روسيا والصين، في استخدام مباشر للضغط الاقتصادي، إلى جانب ملف المهجرين.
ويبدو التهديد البلاروسي أكثر صعوبة بالنسبة للاتحاد الأوروبي من نظيره التركي، فبالرغم من أن أعداد المهاجرين غير الشرعيين في هذه البلاد لا تزيد عن نصف مليون مهاجر، مقابل قرابة أربعة ملايين في تركيا، إلا أن حدود بيلاروسيا مع دول المنظومة الأوروبية أوسع بما لا يُقاس مع ما لتركيا من حدود. فحدود روسيا البيضاء مع كل من لاتفيا وليتوانيا وأوكرانيا وبولندا تمتد لقرابة ألفي كيلومتر، وهي مسافة كبيرة يصعب على المنظومة الأمنية الأوروبية ضبطها.
التنفيذ الفعلي لتوجهات لوكاشينكو بدأت فعلياً من خلال دفع أكثر من 150 مهاجرا آسيويا من داخل بلاروسيا إلى الحدود مع دولة ليتوانيا، حيث تصدى لهم حراس الحدود اللتوانيون، وأُعلنت حالة الطوارئ في مختلف المناطق البلاد، وعبرت حكومات المقاطعات الحدودية مع بيلاروسيا عن استنفار جميع قوات الجيش والأمن لمواجهة أية موجات تدفق بشرية قد تأتي من بيلاروسيا.
وضمن منظومة شرق أوروبا، فإن بيلاروسيا ونظامها السياسي الحاكم يُعرف كأشد الدول الموالية والمرتبطة بروسيا. لأجل ذلك، ولأسباب تتعلق بطبيعة النظام السياسي الشمولي في الداخل، فإن بيلاروسيا تتعرض لعقوبات سياسية واقتصادية ومالية من قِبل الولايات المُتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وبالذات من أجل الحادث الأخير الذي أقدمت عليه سلطات بيلاروسيا، من خلال إنزال طائرة مدنية خلال مرورها من أجواء بلدها، واعتقالها الصحافي البيلاروسي المعارض رومان بروتاسيفيتش، الأمر الذي أثار استياء الاتحاد.
الباحث والمعلق في الشؤون الأوروبية هانس لويكمان شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" الآليات التصعيدية التي يُمكن لبيلاروسيا أن تنفذها خلال الوقت المنظور، لتحويل هذا الملف إلى آلية ضغط رئيسية على الاتحاد الأوروبي، وقال: "مثلما تقعل بيلاروسيا طوال الشهر الجاري مع حدود دولة لتوانيا، من خلال إزالة نقاط المراقبة الحدودية وإنشاء تجهيزات لاحتواء تدفق المهاجرين إلى الحدود خلال فصل الشتاء، فإنه من المتوقع أن تفعل الأمر نفسه مع حدود الدول الثلاثة الأخرى، لخلق أزمة إنسانية مُلفتة للأنظار، وإجبار القوى العالمية على التدخل. هذا إلى جانب إيقاف كل أشكال تعاون الأجهزة الأمنية البيلاروسية مع نظيرتها الأوروبية".
وأضاف لويكمان: "أكثر ما يُقلق الدول الأوروبية هو التسهيلات المُتقادمة في السفر والوصول إلى أراضيها، التي يُمكن أن تُقدم عليها بيلاروسيا لسكان الدول والمناطق الساخنة من العالم، عن طريق تغليفها بسمات سفر سياحية والطبابة والتعليم، وذلك لخلق شرايين وصول متقادمة لمئات الآلاف من المهجرين خلال أوقات قصيرة".
هذا وأشار المراقبون إلى دور روسي بارز في هذا التصعيد البلاروسي. فمنذ أزمة الصحفي المعارض المُختطف، توجه روسيا انتقادات لردة الفعل الأميركية والأوروبية تجاه السلوكي البيلاروسي، وتعتبره بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية لدولة موالية ومرتبطة بروسيا.
كذلك تخشى روسيا من أن تأثير العقوبات على بيلاروسيا قد يدفع لأن تحدث تغييرات داخل هذا البلد، خصوصاً وأنها شهدت مظاهرات معارضة عارمة خلال الشهور الماضية، وقد يدفع الضغط الاقتصادي الذي تنفذه دول الاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط على النظام الحاكم، وهو أمر تخشاه روسيا تماماً، لأنه يُهدد بإخراج بيلاروسيا من تحت جناح الاستراتيجية الروسية.