مع خروج دعوات أميركية وأوروبية لإعادة المقاتلين الأجانب المتعاونين مع التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق إلى بلدانهم، تباينت آراء الخبراء حول السيناريوهات المتوقعة لقبول الدول الأوروبية على المستوى الرسمي لهذه الدعوات أو رفضها، وما هو السيناريو الأفضل.
والجمعة، طالبت مفوضة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان دنيا مياتوفيتش، الدول الأعضاء بالسماح لمواطنيها المعتقلين في سوريا بسبب انضمامهم لتنظيم داعش الإرهابي بالعودة مرة أخرى إلى بلادهم.
وأشارت في بيان إلى مسؤولية الـ47 دولة نحو رعاياها الذين قاتلوا ضمن صفوف داعش ومازالوا باقين في سوريا والعراق، مؤكدة أن الأمر يدخل ضمن الاختصاص القضائي لتلك الدول.
وهذه الدعوة أتت بعد أيام من حديث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن ضرورة استعادة الدول الأوروبية مواطنيها الذين حاربوا في صفوف داعش، وإعادة تأهيلهم، وحتى ملاحقتهم قضائيا.
قبول أم رفض
وفي تصريحات منفصلة لـ"سكاي نيوز عربية"، تنوعت آراء الخبراء حول مواقف الدول الأوروبية من استقبال العائدين من داعش والسيناريوهات المحتملة.
يري حسين خضر، نائب رئيس المجلس الاتحادي للهجرة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي بألمانيا، أن أوروبا وعلى رأسها ألمانيا لديها رغبة قوية لإعادة مواطنيها من المقاتلين بواسطة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى عودة تدريجية للمقاتلين الأجانب عبر برامج متخصصة من وزارتي الداخلية والعدل وبمعاونة مؤسسات إنسانية لرصد العائدين من سوريا والعراق وليبيا.
ويوضح خضر، أن برامج التأهيل تنقسم لقسمين بحسب طبيعة العائد، وفي حال ارتكابه جريمة إرهابية يتم التحفظ عليه وسجنه وإعادة تأهليه داخل السجن طبقا للقانون الألماني، أما الحالات التي لم ترتكب جرائم مثل الأطفال يتم تأهيلها نفسيا قبل دمجها في المجتمع.
ويختلف ألبير فرحات، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، مع التصريح السابق قائلا: "تنقسم أوروبا بشأن موقفها من عودة المقاتلين لدولهم الأصلية، وترفض فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا العودة جملة وتفصيلا، وتصر حكومات تلك الدول على دراسة كل ملف على حدة لاتخاذ قرار مناسب".
ويوضح أن فرنسا وبلجيكا استردتا أطفال قتلوا ذويهم في مناطق الصراع، وفي المقابل تظل الدولتان رافضتين لاستقبال الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم الـ12 عاما لخطورة التعامل معهم، بينما استعادت سويسرا عددا قليلا من الدواعش بهدف الحصول على معلومات عن الأعداد المتواجدة بالمنطقة، مشيرا إلى أن قوات "قسد" في سوريا (قوات أكثرها أكراد تتعاون معها واشنطن) تحتجز أكثر من 24 ألف داعشيا يعود العدد الأكثر أوروبيا لفرنسا من النساء والأطفال.
وشددت مفوضة مجلس أوروبا على ضرورة إعطاء الألوية لإخراج جميع الأطفال الأجانب من المخيمات بصحبة أمهاتهم لضمان مصلحتهم.
ورفعت عائلات دعوات قضائية ضد فرنسا بعد رفضها لإعادة أقارب معتقلين في مخيم الهول بسوريا. وتقدر أعداد الدواعش في مخيم الهول بنحو 10 آلاف مقاتل من جنسيات مختلفة، وتقدر أعداد الفرنسيين بنحو 80 فرنسية و200 طفل، بعد استعادة فرنسا 35 طفلا دون عائلاتهم في أعمار أقل من 10 سنوات.
وفي عام 2019، سحب القضاء البلجيكي الجنسية من 13 شخصا بسبب انضمامهم لداعش.
ويقول خضر إن "إسقاط الجنسية عن العائدين يطبق على متعددي الجنسيات الذين ثبت نشاطهم الإرهابي، بينما يصبح سحبها من حامل الجنسية الواحدة تصرف يخالف القانون الدولي".
سيناريوهات العودة
يشير مجاهد الصميدعي، الباحث في الشأن الأمني، إلى 4 سيناريوهات محتملة للتعامل مع المقاتلين الأجانب، ويتمثل السيناريو الأول في تشكيل محاكمة دولية داخل حدود قوات "قسد"، متوقعا ضعف "قسد" لتنفيذ الأحكام، خاصة وأن الفترة الماضية شهدت هروب مسلحين من السجون.
ويضيف: "يدور السيناريو الثاني حول نقل المحاكمات إلى العراق، وهذا ما حدث مع بعض المقاتلين الفرنسيين وحًكم عليهم بالإعدام طبقا للقانون العراقي الذي يجرم الانتماء للتنظيمات الإرهابية بعقوبة الإعدام، ولكن هذا السيناريو يمثل خطورة مادية وأمنية على العراق لامتلاء سجونه بحوالي 10 آلاف مقاتل عراقي، وهو أمر يرفضه العراق حتى الآن".
ويرى الصميدعي، أن السيناريو الثالث، وهو إعادة المقاتلين لبلدانهم الأصلية ومحاكمتهم فيها، يعد تحديا؛ نظرا لعدم كفاية الأدلة لإدانتهم بالإرهاب، مما يؤدي إلى تخفيف الأحكام ما بين عامين إلى 4 أعوام، وهي أحكام مخففة، ليعود هؤلاء المقاتلون إلى العيش في المجتمع واستهداف المدنيين بالعمليات الإرهابية.
ويتابع: "في الوقت نفسه ترفض المجتمعات الأوروبية عودة المقاتلين ودمجهم مرة أخرى، مما يصعب من تنفيذ السيناريو الثالث للرفض المجتمعي والسياسي معا"، محذرا من وقوع سيناريو رابع بالغ الخطورة يتعلق بهروب المقاتلين وعودتهم لبلادهم بطريقة غير شرعية وتحولهم لخلايا نائمة تهدد آمن أوروبا.
وخلال العام الماضي، استعادت فرنسا 10 أطفال من مخيمات سوريا، وأعادت بلجيكا 3 سيدات أرامل لمقاتلين بداعش و6 من أطفالهن، واستعادت حكومتا فنلندا وألمانيا 5 نساء و18 طفلا، بحسب المركز الدولي لدراسات التطرف التابع لـ"كينجز كولدج" في لندن.
ضغط أميركي
في المقابل، اعتبر خضر أن التباطؤ في إعادة المقاتلين يشكل خطورة على تنشئة أجيال جديدة من الإرهابيين، مشيدا بالموقف الأميركي للحد من ظاهر الذئاب المنفردة والعمليات الإرهابية.
ويرى الصميدعي، أن بقاء المقاتلين في مناطق تشهد عمليات عسكرية ضد داعش قد يؤدي إلى هروبهم أو عودتهم للقتال، خاصة أن الطبيعة الجغرافية في سوريا والعراق تسمح بالاختباء ما يعد خرقا أمنيا وتهديدا واضحا لجهود التحالف الدولي لمحاربة داعش.
ويضيف:"تضغط أميركا على إعادة الدواعش لهروب مجموعات منهم إلى أماكن خارج سيطرة التحالف، مثل دول غرب ووسط أفريقيا كنيجيريا ومالي ودول شمال أفريقيا كتونس وليبيا".
بينما يجد فرحات هدف أميركا من الضغط في ملف المقاتلين الأجانب هو إحراج الدول الأوروبية ووضعهم أمام المسؤولية، مرجحا حسم أوروبا للملف نهاية العام الجاري بإرسالها قضاة لمحاكمة مواطنيها في أماكن اعتقالهم.
وفي أغسطس الماضي، لجأت أميركا إلى حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قانون يخص مصير المقاتلين الأجانب، اعتراضا على عدم تضمنه فقرة تطالب بإعادتهم إلى بلدانهم.