في تطور لافت، أعلن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، تأسيس لجنة حزبية خاصة، تحت مُسمى "طاولة جنوب وشرق البلاد"، لإيجاد حلول بشأن تلك المنطقة، وعلى رأسها المسألة الكُردية.

وتكتسب هذه الخطوة أهميتها من كون حزب الشعب الجمهوري يعتبر نفسه وريثا لأفكار مؤسس الجمهورية التركي العلمانية الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك.

ومن المحتمل أن ينافس بقوة على رئاسة تركيا في الانتخابات المقبلة في 2023.

وكان الحزب الأتاتوركي تاريخياً من أكثر الأحزاب رفضاً للاعتراف بالمشكلة الكردية وإيجاد حلولاً لها، تبعاً للنهج القومي الذي كان يتبعه منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1923. 

"الطاولة" التي يزمع الحزب تأسيسها، ستكون برئاسة الأمين العام لحزب الشعب أوغوز كان صالجي، مما يعني بأنها محل اهتمام شديد من قيادة الحزب نفسها.

وعملياً، ستكون الطاولة عبارة عن لجان تخصصية مختلفة، سيشكلها الحزب ويُرسلها إلى مختلف مناطق جنوب شرق البلاد، للاجتماع والحوار مع القادة المحليين من أبناء تلك المنطقة، ذات الأغلبية الكُردية، ووضع تصورات وحلول يلتزم بها حزب الشعب في عمله وبرنامجه السياسي.

القمع.. عنوان علاقة تركيا بأكرادها

 اعتراف صريح

نائب الأمين العام للحزب أوغوز كان صالجي كان قد اعترف صراحة خلال لقاءاته الصحفية في اليومين الماضيين بأن حزبه يقر  بأنه ثمة قضية كردية في البلاد، وأنها من أكبر مشاكل تركيا العالقة، وأنها لا تخص الأكراد فحسب، بل تمس كامل تركيا.

لكنه أضاف بأن حزبه يُمير تماماً بين إمكانية ووجوب إيجاد حلول للمسألة الكُردية، وبين ما أسماه "مواجهة الإرهاب"، في إشارة إلى حزب العُمال الكُردستاني  الذي يقود حرباً مُسلحة ضد السلطات التركية مُنذ أكثر من أربعين عاماً.

ويقول الباحث في التاريخ السياسي التركي، سردان جماداري، قال حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" إن هناك تحولات طرأت على حزب الشعب الجمهوري بشأن المسألة الكُردية خلال العقدين الماضيين.

أخبار ذات صلة

اعتقال مشرع كردي جرّد من مقعده في البرلمان التركي
أكراد تركيا يعيدون ترتيب أحوالهم السياسية
بشبهة زيارة.. السلطات التركية تحققُ مع نائبة مؤيدة للأكراد
هربا من الأزمات.. أردوغان يلجأ للخيار المعتاد لقمع الأكراد

وأوضح جماداري: "غادر حزب الشعب الجمهوري موقعه القومي "المتطرف" أول مرة خلال عام 2004، حينما أطر الحزب إصدار وثيقة تدعو لتعزيز العلاقات مع إقليم كردستان العراق، تحت ضغط اتحادات رجال الاعمال التي كانت تريد الاستفادة من التجارة مع الإقليم".

وتابع: "التحول الثاني كان بعد فضيحة سكرتير الحزب دنيز بايكال عام 2010، وحلول الأمين العام الجديد كمال كليجدار أوغلو، الذي أدخل تحولات في خطاب الحزب ورؤيته السياسية، لتكون أقل قومية، خصوصاً وأن كليجدار أوغلو من أصول كُردية".

وأردف: "شكل التفاعل الإيجابي لحزب العدالة والتنمية واعترافه بالقضية الكُردية ضغطاً على حزب الشعب الجمهوري، خصوصاً خلال أعوام عملية السلام الكُردية، حيث اندفع حزب الشعب الجمهوري للاعتراف بالقضية الكُردية والدعوة لحلها. والطاولة التي يريد وضعها راهناً هي رابع التحولات التي تطرأ على آلية عمل الحزب".

يتمسك أكراد تركيا بثقافتهم

حاجة سياسية

المراقبون للمشهد السياسي الداخلي التركي اعتبروا بأن حزب الشعب الجمهوري يسعى من وراء سياسته الجديدة استقطاب أصوات المواطنين الأكراد في تركيا خلال الانتخابات القادمة.،فالحزب الأتاتوركي المعارض يعاني من ضعف شديد في الشعبية في المناطق ذات الأغلبية الكُردية، إذ ليس له إلا ثمانية نواب في 24 ولاية في جنوب شرق البلاد.

ويرى هؤلاء أن النزعة والخطاب القومي الأتاتوركي الذي يستخدمه الحزب تقليدياً، تفصل بينه وبين الأكراد المطالبين بحقوقهم القومية في البلاد. وهو يسعى لاستخدام أساليب متطابقة لما يفعله حزب العدالة والتنمية لاستقطاب القواعد الاجتماعية الكُردية.

ومن ناحيته، استبعد السياسي الكردي سجعان مرادنلي إمكانية تحقيق حزب الشعب الجمهوري استقطابا ضمن الأصوات الكُردية.

وأعاد مسألة طاولة الحوار الجديدة إلى سبب آخر تماما، وقال: "في تركيا اليوم ثمة كتلتان سياسيتان تستطيعان أن تحسما مسألة الحُكم في البلاد. كتلة "تحالف الشعب" الحاكم، الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية اليميني المتطرفة، يناظره "تحالف الأمة" المعارض، الذي يضم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد".

وقال مرادنلي إنه طبقا لهذا الانقسام، "فإن الكتلة التصويتية الكُردية، وبقيادة حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد لحقوق الأكراد، تُعتبر حليفاً سرياً للكتلة المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري، الذي يُريد أن يظهر للمصوتين الاكراد وحزبهم حزب الشعوب الديمقراطية بأنه أقرب لتطلعاتهم من حزب العدالة والتنمية".

رؤية بلا تفاصيل

ولم تنشر الشخصيات السياسية القريبة من قيادة حزب الشعب الجمهورية أية تفاصيل عما تراه حلاً للمسألة الكُردية، فالأقلية الكُردية في البلاد التي تشكل قُرابة رُبع سكان تركيا، البالغ تعدادهم حوالى 80 مليوناً، أنما تملك مجموعة من المطالب المتعلقة بالاعتراف السياسي بهم ومنح لغتهم سمة اللغة الرسمية وأنهاء الصراع المسلح بين الجيش وحزب العمال الكُردستاني.

يريد الأكراد تأمين عدد من الحقوق السياسية المحرومين منها

"سياسات متوازنة"

الناشطة المدنية القريبة من أوساط حزب الشعب الجمهوري، دُنيا ببازي أوغلو، قالت في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"  بأن الحزب يُريد أن يتبع سياسات متوازنة، عبر حزم متلاحقة من الحلول.

وقالت: "صحيح أنه ثمة مطالب سياسية أولاً، وأن الأكراد في تركيا يتطلعون لنيل اشكال من المجال السياسي الذاتي، لكن حزب الشعب الجمهوري لديه حسابات تتعلق بقواعده الانتخابية القومية التقليدية، وكذلك بما قد يلقاه من ابتزاز من حزب العدالة والتنمية، إذا ما قام بتقديم طروحات قد تُتهم بأنها تُشجع الأكراد على الانفصال".

وأضافت "لكن الحزب يستطيع مبدئياً التعبير عن مغادرته لمنطقة التشدد القومي المناهضة للأكراد، مثل التصريح بعدم ممانعته لصدور عفو عام عن السياسيين الأكراد المعارضين، أو تشكيكها بأية مفاوضات للسلام بين الدولة وحزب العُمال الكُردستاني".