لم تعد الحروب تقليدية بشكل كبير في ظل التطور الهائل للتكنولوجيا العسكرية. وبالتزامن مع هذا التطور، تصاعدت المخاوف الأمنية جراء وقوع بعض الأسلحة المتقدمة في أيدي الإرهابيين، كما هو الحال مع طائرة "الدرون".
تقارير استخباراتية صدرت مؤخرا سلطت الضوء أكثر على الطائرات بدون طيار وأفردت لها حيزا كبيرا في صفحاتها، فهي خطر حقيقي على الأمن العالمي مستقبلاً، إن لم توازنها أسلحة أخرى تحدّ من خطورتها، في حال توسع استخدامها من قبل منظمات إرهابية وميليشيات تؤرق مضاجع إقليم الشرق الأوسط.
فالخطر المتنامي دفع قائد القيادة المركزية الأميركية كينث ماكنزي للتحذير من خطورة الطائرات المسيّرة الصغيرة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية وميليشيات موالية لإيران لاستهداف القوات الأمنية في العراق.
ورغم ميزة الطائرات بلا طيار بأنها تقلل الاعتماد على الجنود في عمليات الاقتحام والهجوم المضاد وبالتالي تقليل الخسائر البشرية وتحقيق عدة أهداف استراتيجية في زمن قياسي، لكن إن استطاع الإرهابيون أصحاب الأيديولوجيات المعقدة تطوير هذا السلاح المتقدم وإدخال تحديثات عليه باستمرار، فإن الخريطة الجغرافية للحرب ضد الإرهاب ستتغير ملامحها، وسيصبح العالم بأسره في مأزق أمني حقيقي.
فخريطة مكافحة الإرهاب مترامية الأطراف، ولم تعد مقتصرة فقط على منطقة بعينها، إذ أصبحت هناك مناطق شاسعة، كمنطقة الساحل الإفريقي التي تقاتل فيها جيوش خمس دول جماعات إرهابية مثل داعش، دون النجاح حتى الآن في القضاء عليها ودحرها، بل قال قائد أركان الجيوش الفرنسية فرانسوا لو كوانترا التي تمثل بلاده جزءاً من قوة برخان: "إن انخراط أوروبا في الساحل الإفريقي سيظل قائماً بعد عشر سنوات".
هذا التصريح الصادر من أعلى رأس عسكري فرنسي لا يشير إلى الاطمئنان بقدر ما يرتكز على أن الإرهاب يطور من نفسه ويتلون مع مستجدات الأحداث، خاصة أن تنظيماً كداعش يعمل على أن يصبح القوة الأولى في قائمة الحركات المتشددة بإفريقيا من حيث القوة والانتشار، وربما تكون في حسابات التنظيم المتطرف طائرات مسيّرة تغير الحسابات والموازين على الأرض.
وبالعودة إلى وجهة النظر الأميركية حيال استخدام الطائرات المسيّرة من قبل ميليشيات نجد ماكنزي يقول: "نحن نعمل بجد لإيجاد حلول تقنية تسمح لنا أن نكون أكثر فاعلية ضد الطائرات دون طيار، وكانت الجهود جارية للبحث عن طرق لقطع روابط القيادة والتحكم بين الطائرة بدون طيار ومشغلها، وتحسين أجهزة استشعار الرادار لتحديد التهديد بسرعة مع اقترابها، وإيجاد طرق فعالة لإسقاطها".
التصريح الأميركي وفقاً لظروف المنطقة يمثل جرس إنذار لدولها التي تعاني بعضها من إرهاب وإزهاق أرواح بريئة من قبل إرهابيين وميليشيات تمثل مخلب قط لإيران، كما هو الحال في العراق واليمن، خاصة ميليشيات الحوثي التي تمتلك هذا السلاح بالفعل وتستخدمه ضد المصالح الاستراتيجية لدول الجوار وتهدد أمن منطقة حيوية واقتصادية للعالم.
وبجانب كثافة التحذير الأميركي، فإن الابتكار في أنظمة الطائرات بدون طيار يسير بوتيرة سريعة مدفوعة بالطلب التجاري والاستهلاكي، نتيجة لسهولة شراء طائرات الدرونز من الإنترنت، وسرعة وصولها إلى المستهلك، وسهولة ضبط عملية إعطاء الأوامر للطائرات من قبل أجهزة الحاسب الصغيرة، والتحكم في نظام تحديد موقعها وارتفاعها؛ يزيد معدل هجمات تلك الطائرات على البنى التحتية بالدول.
كما أن هناك دراسات أشارت إلى خطورة أخرى قد تعيق عمل أجهزة الرادار الخاصة بالكشف عن الطائرات بدون طيار، كصغر حجمها، أو كتعديل الأسطح الخارجية من الطائرات لزيادة أو تقليل المقطع المعرض للرصد من قبل أجهزة الرادار، فضلًا عن الظروف الجوية والبيئية، والتضاريس، وطريقة الطيران نفسها، كالطيران على مستويات منخفضة، وسرعات جوية بطيئة، وتكرار الانعطافات والتوقفات؛ مما قد يقلل من فاعلية الرادار.
وللتغلب على تلك المعضلات، نجد أن البعض قدم حلولا ومنها إجراء تقييمات لمواطن الخلل ومحاولة العمل على تطويرها وعلاجها مع مراعاة فوارق الحماية الجغرافية او البشرية المتطلبة لكل موقع، وتوظيف استراتيجيات الدفاع في العمق والاعتماد على أنظمة مكافحة للطائرات بدون طيار ثابتة ومتحركة وسريعة الإعداد.
ومع إعادة تموضع السياسية الخارجية الأميركية في ظل إدارة بايدن -مثل الانسحاب من أفغانستان- ربما تتنفس جماعات متشددة كطالبان وداعش وبقايا القاعدة الصعداء، وتحاول الحصول على أسلحة متطورة كالطائرات المسيرة، الأمر الذي يمثل تحدياً جديداً في تلك المنطقة وإعادتها للمربع الأول، خاصة أن الجيش الأفغاني -وفق ما يرى البعض- غير مؤهل لتولي زمام الأمور في البلاد بالقدر الكافي.
وفي ضوء أزمة الطائرات المسيرة، أصبح لزاماً مراقبة كل ما هو جديد في عالم تطوير "الدرونز" وتكثيف العمليات الاستخباراتية لقطع دابر الإرهابيين والميليشيات من الحصول على أي تطور تكنولوجي خاص بها، كتنظيم داعش الذي أثبت أنه يختلف عن التنظيمات المتطرفة الأخرى من حيث مواكبة التكنولوجيا في الترويج لدعايته، والقدرة على استقطاب عناصر جديدة عبر منافذ إلكترونية متعددة.