ضجت الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا بما طرحه زعيم الحركة القومية التركية دولت بهجلي، كـ"مسودة أولية" لدستور البلاد الجديد.
ويعتزم التحالف الحاكم المؤلف من حزبي العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان والحركة القومية، طرح المشروع على بقية أحزاب المعارضة لمناقشته وإمكانية إضفاء بعض التعديلات عليه، قبل عرضه على الاستفتاء العام لإقراره والدخول، حسب مضامينه، إلى الانتخابات العامة المزمع إجراؤها خلال عام 2023.
مراقبون للمشهد السياسي التركي، بالذات من الشخصيات القريبة من قوى المعارضة، اعتبروا خطوة زعيم حزب الحركة القومية لا تمثل طروحات حزبه، بل هي بالضبط ما يريد حزب العدالة والتنمية وأردوغان.
وبحسب المراقبين، فإن أردوغان يستخدم بهجلي وحزبه كواجهة لطروحاته، فالدستور المقدم إنما هو الأداة التي يستخدمها الرئيس لمفاوضة قوى المعارضة بشأن المستقبل السياسي للبلاد، ومحاولة شق صفوفها حتى لا تتمكن من دخول المواجهة الانتخابية المقبلة بجبهة موحدة مناهضة له.
وشرح الكاتب والباحث التركي أورهان سردار أوغلو في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، الأبعاد الثلاثة التي يحاول أردوغان كسبها من خلال طرح مسودة دستور جديد للبلاد.
وقال سردار أوغلو: "يعتقد أردوغان أن النظام الانتخابي الرئاسي المعمول به حاليا لن يكون لصالحه في أي انتخابات مقبلة، وهو فعليا لا يستطيع أن يعود للنظام البرلماني لأنه شخصيا قاتل لسنوات حتى يغدو النظام رئاسيا في البلاد، لذلك فإنه سيستخدم الدستور الجديد جسرا لتحقيق ذلك".
وأضاف: "كذلك فإن أردوغان متأكد من عدم قدرة قوى المعارضة من تحقيق توافق فيما بينها بشأن رؤيتها للدستور، بالذات حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد والحزب الخيّر القومي التركي، وهو بذلك يزرع أول شقاق فيما بينها".
وتابع الباحث التركي: "أخيرا فإن الدستور الجديد في حال رفض مناقشته من قبل قوى المعارضة، فإنها ستغدو بمثابة المتشبثة بالدستور الحالي، الذي فرض على البلاد عقب انقلاب 1980 الشهير، وتاليا القدرة على اتهام المعارضة بالميول الانقلابية".
زعيم الحركة القومية التركية قال في تصريحاته إن الدستور الجديد سيكون مؤلفا من 100 مادة، تذكيرا بمئوية تأسيس الدولة التركية (1923-2023).
وذكر أن الدستور سيحافظ على المواد التعريفية المثبتة في مقدمة الدستور التركي الحالي، التي تعتبر تعريفية للدولة التركية، الجمهورية والديمقراطية والعلمانية، وهي المواد التي يحظر الدستور الحالي تغييرها حتى في حال إلغاء الدستور نفسه وإقرار غيره.
ومن أبرز المخاوف التي تضمنتها مسودة الدستور الجديد المقترحة، التي رفعت من قلق المراقبين بشأن الحياة الديمقراطية والتزام أنقرة باحترام حقوق الإنسان، 4 مضامين أشارت إليها المسودة.
فالنظام السياسي سيبقى حسب المسودة مركزيا رئاسيا، وإن كان يقر بوجوب انتخاب نائبين للرئيس، الأمر الذي يعني أن الحزب الحاكم بتحالفه مع بعض الكتل الأصغر حجما سيتمكن من فرض نظام الحكم المركزي على كامل البلاد.
كذلك فإن المسودة تضعف "المحكمة العليا"، القادرة على البت والحكم في أي قضية عامة في البلاد، بما في ذلك الخلافات بين القوى السياسية والقضايا المصيرية لتركيا، لتتحول إلى مجرد محكمة ذات وضع خاص، ومن دون صلاحيات تقريبا.
كما أن المسودة المقترحة تزيد من سلطة وأدوار مؤسسة الشؤون الدينية التركية، فترفعها من مستوى الجهاز التنفيذي الحكومي لتكون مؤسسة دستورية تساوي بسلطتها النظام القضائي والتشريعي نفسه.
لكن التفصيل الأهم في المقترح هو عدم تطرق المسودة للقضية الكردية مطلقا.
التعليق الأول من جانب حزب العدالة والتنمية على مسودة الدستور الجديد جاء عبر تصريحات رئيس كتلة الحزب في البرلمان ناسي بستانجي، الذي قال في مقابلة مع صحيفة "جمهوريت" المحلية: "نرحب باقتراح السيد بهجلي لدستور جديد مكون من 100 مادة في الذكرى المئوية للجمهورية. نعرف أن عملية صياغة دستورنا الجديد على وشك الانتهاء".
وأضاف: "آمل أن تتم مشاركة التفاصيل مع الجمهور في وقت مناسب بعد الأعياد، لكن يجب أن تكون الدساتير نصوص مصالحة اجتماعية، فنحن نقوم بدراسة مضامين الدستور المطروح داخل حزبنا، ونريد أخيرا إجراء عملية تفاوضية مع الأحزاب الأخرى، وإذا كشفت جميع الأطراف الممثلة في البرلمان عن مقاربتها للدستور بمشروع نص موحد، سيكون ذلك مناسبا جدا".
الباحثة التركية في المركز الأميركي التركي للبحوث سزجان قراتبى، أوضحت في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، صعوبة تحقيق الدستور المقترح أي خطوات تنموية، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، مذكرة بأن الدساتير في المحصلة انعكاس للشروط والمناخات المحيطة بها.
وقالت: "يبدو واضحا أن هذا الدستور ناتج عن أزمة النظام السياسي في البلاد، إذ ثمة طرف ما من هذا النظام يريد أن يبقى حاكما بأي أثمان كانت، وأن يستخدم كل شيء في سبيل تحقيقه بما في ذلك إقرار دستور جديد. هذا السلوك تتبعه أكثر الأنظمة شمولية لا الأنظمة الديمقراطية، فحتى القادة العسكريون الذين نفذوا انقلاب عام 1980 لم يغيروا الدستور للبقاء في الحكم".
الباحثة المتمرسة في الشأن التركي أضافت: "لا يستطيع حزب العدالة والتنمية تحقيق توافق وطني بشأن الدستور، فالخطوط والثقة مقطوعتان تماما بينه وبين كل الأحزاب السياسية التي يتهمها جهارا بالخيانة، ويعتقل قادتها بسبب أي تصريح لا يروق له".
وختمت بالقول: "تركيا تمر بأكثر لحظاتها صعوبة من الناحية الاقتصادية، والدستور الجديد في حال إقراره سيكون بمثابة حجر عثرة أمام روح المبادرة الاقتصادية، على الأقل خلال أول سنتين بعد إقراره، فرؤوس الأموال والاستثمارات تحتاج لتلك الفترة على الأقل لتعود ثقتها في الأسواق التركية واستقرارها".