ماهي إلا أسابيع مضت على آخر اجتماع لقادة دول الساحل الخمس، المعروفة اختصارا بـ"G5"، حتى فقد التحالف الإفريقي آخر زعمائه المؤسسين، الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو، وذلك إثر مقتله متأثرا بجراحه، الثلاثاء الماضي، بعد نزوله إلى الخطوط الأمامية في الميدان، أثناء إحدى معارك الجيش التشادي مع المعارضة المسلحة.
وبتواري الرئيس إدريس ديبي عن المشهد، يكون التحالف الذي تم إنشاؤه في فبراير من عام 2014، في العاصمة الموريتانية نواكشوط، قد فقد أحد أقوى زعمائه الخمس، وذلك بعدما كان كل من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، ورئيس النيجر محمد ايسوفو، ورئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري، قد غادروا جميعهم السلطة في بلدانهم.
ويتوقع مراقبون أن ينعكس تواري الزعماء المؤسسين، لاسيما ديبي، سلبا على أداء التكتل الذي تأسس لمحاربة تمدد الجماعات الإرهابية في المنطقة، خصوصا وأن هذا الأخير كان قد جمع بين الخبرة العسكرية الطويلة، وبين النجاح في إدارة قوات التحالف، مما يجعل غيابه يلقي بالثقل على فرنسا التي ترعى التحالف المذكور منذ تأسيسه.
تحديات أمنية متصاعدة
وكان ديبي قد اعتبر، منتصف فبراير الماضي، أن منطقة الساحل الشاسعة تكافح "الفقر الذي يوفر أرضا خصبة للإرهاب"، وذلك لدى اجتماعه برؤساء دول تجمع الساحل الخمس، في العاصمة التشادية نجامينا، داعيا المجتمع الدولي إلى تكثيف التمويل التنموي، في تنبيه منه إلى المخاطر الأمنية المتزايدة.
وقبيل مقتله بأسابيع، كان الرئيس التشادي قد أعلن عن إرسال بلاده 1200 جندي إلى المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث تنتشر الكثير من المجموعات الإرهابية، مستفيدة من ظروف الفقر التي تشكل ذريعتها الأساسية للتجنيد، بحسب تنبيهات أممية.
وقالت الكاتبة والصحفية التشادية، تماضر الخنساء، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "غياب ديبي سيكون له أثره الكبير في منظومة دول الساحل، نسبة لدور تشاد المؤثر جدا في هذه المنطقة".
وأشارت إلى "خبرة الرئيس الراحل الطويلة في إدارة الأزمات الأمنية بالمنطقة الإفريقية، والمشاركة بجنود بلاده في عمليات كثيرة، حفظا لأمن المنطقة".
وأكدت أن "تشاد كانت ولا تزال تحارب في عدة جبهات، التنظيمات المتطرفة مثل جماعة بوكو حرام وغيرها"، مؤكدة أن "المجلس العسكري الانتقالي في تشاد لن يبتعد كثيرا عما كان يقوم به المشير ديبي في مكافحة التطرف".
وكانت مجموعة دول الساحل الإفريقي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد عقدت قمة مصغرة قبل يومين، تناولت دعم العملية الانتقالية المدنية العسكرية في تشاد، وترتيب أوضاعها لضمان استمرار المهام التي يقوم بها الجيش التشادي في منطقة الساحل، وذلك بالتزامن مع تشييع جنازة ديبي في إنجامينا، بحضور عدد من القادة الأفارقة، إضافة إلى ماكرون.
مسؤولية فرنسا مرة أخرى
وفيما أعلن الرئيس الفرنسي دعمه للمجلس العسكري الانتقالي التشادي، الذي تشكل برئاسة نجل الرئيس إدريس ديبي، عقب مقتله، أكد أيضا على أن فرنسا "لن تسمح لأحد بمس أمن تشاد، لا اليوم ولا غدا"، وسط مخاوف من تدهور الوضع في البلاد بعد غياب ديبي، مما ينذر بالمزيد من المخاطر أيضا على بلدان الجوار.
من جانبه، علق الباحث النيجري، محمد عبد الله، على مستقبل تحالف دول الساحل الخمس بعد مقتل ديبي، بالقول: "دول الساحل تحتاج إلى وقفة حاسمة مثل التي أجراها إدريس ديبي في الحدود لمواجهة بوكو حرام"، في إشارة منه إلى الدور المركزي للرئيس التشادي الراحل في مكافحة الإرهاب داخل الدول الخمس.
ونبَّه المتحدث في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أهمية "التنمية والقضاء على الفقر"، معتبرا ذلك مدخلا إلى "الأمن ومكافحة الإرهاب".
وبدوره، أكد الباحث الاستراتيجي، لحسن بوشمامة، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الدور الفرنسي مهم سواء أثناء تأسيس التحالف أو خلال السنوات الماضية من عمره، وفي المرحلة المقبلة بعد تواري الرئيس ديبي، آخر الزعماء المؤسسين".
وأردف بوشمامة بالقول إن "فرنسا كانت وستبقى هي المايسترو الحقيقي لتحالف دول الساحل الخمس".
وتابع: "بالرغم من غياب الزعماء المؤسسين للتحالف، فإن دوره سيستمر، لأن الحاجة ستبقى قائمة للقدرات البشرية المحلية من أجل مواجهة التحديات المتزايدة، خصوصا وأن التدخل الفرنسي المباشر مكلف عسكريا، ومثقل بالصورة المرتبطة بالماضي الاستعماري".
هشاشة الديمقراطية
ونبه الباحث السياسي، مختار ميغا، إلى ضرورة "تمتين الممارسة الديمقراطية، للحيلولة دون استفحال المخاطر الأمنية"، مؤكدا أن "الرئيسين الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والنيجري محمد ايسوفو، غادرا السلطة بعملية تداول سلمي عبر الانتخابات، بينما تنحى كل من الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، والبوركينابي، فاسو بليز كومباوري، تحت ضغط الاحتجاجات".
وأضاف في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "ديبي وحده غادر السلطة بسبب مقتله، مما يجعل دول الساحل مقبلة على استحقاقات أمنية وأخرى ديمقراطية، كي تتحقق المزيد من النتائج الإيجابية، ويتم تلافي السقوط في نفس المشاكل التي أنهت دور تجمع دول الساحل والصحراء الذي تأسس نهاية تسعينيات القرن الماضي".