تبدو العلاقات الثنائية الروسية التركية وأنها ستدخل أفاقاً صعبة للغاية خلال الشهور القادمة، مع تصاعد بذور أزمتين سياسيتين عسكريتين لم تكونا في الحسبان حتى قبل شهور قليلة. خصوصاً وأنها ستأتي عقد التدهور الحالي الذي تشهده علاقة تركيا مع الولايات المتحدة، عقب إخراج تركيا الرسمي من برنامج طائرات F35 الأميركية، والاعتراف الأميركي الرسمي بالإبادة الجماعية الأرمنية.

أولى مؤشرات تعكر العلاقات التركية الروسية صدرت عن نائب رئيس الوزراء الروسي يوري يوريسوف، الذي وجه شبه تهديد علني لتركيا، بعد ورود معلومات عن إمكانية قيام تركيا ببيع طائرات مسيرة إلى أوكرانيا، حيث تدور نُذر مواجهة عسكرية وسياسية بينها وبين روسيا.

نائب رئيس الوزراء الروسي، الذي تكون تصريحاته عادة تعبيراً عن التصريحات غير الرسمية للقيادة الروسي، قال رداً على أسئلة الصحفيين بأن بلاده "تدقق في أفاق التعاون العسكري مع تركيا، في حال قيامها بتسليم طائرات من صناعتها إلى أوكرانيا"، مضيفاً بأن حجم ردة الفعل الروسية ستكون مناسبة لمستويات التعاون الذي ستنخرط فيه تركيا مع أوكرانيا عسكرياً.

تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي جاءت تأكيداً لتحذيرات وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي قال بأن بلاده حثت جميع الدول، بالذات تركيا، إلى توخي الحذر وتحليل التصريحات الأوكرانية قبل القيام بأي شكل من التعاون العسكري معها.

تلك التصريحات التي قال عنها الوزير الروسي بأنها "تأخذ طابعاً عدوانيا"، في دلالة على أن تركيا ستكون شريكة في ذلك "العدوان" في حال تعاونت عسكرياً مع أوكرانيا.

موجة التحذيرات الرسمية الروسية جاءت عقب الزيارة الأخيرة للرئيس الأوكراني فلاديمير زبلينسكي إلى تركيا، والتصريحات التالية التي صدرت عن مراكز القرار التركية، والتي أوحت باستعداد تركيا للتعاون العسكري مع أوكرانيا، بالذات من خلال بيعها عدداً من "الطائرات بدون طيار"، موضحة لوسائل إعلام محلية بأن الأسلحة التركية تلك لا تدخل في إطار المواجهة الحذرة الراهنة بين موسكو وكييف، لكن ذلك يبدو وكأنه لم يُقنع الطرف الروسي، الذي وجه تحذيراته.

الملف الآخر الذي من الممكن أن يوجه "ضربة" لعلاقات الطرفين يتعلق بـ"مشروع قناة إسطنبول"، الذي يزمع الرئيس التركي الشروع فيه خلال فترة قريبة.

فالممر المائي الذي سيربط البحر الأسود ببحر أيجة عبر قناة اصطناعية غرب مدينة إسطنبول، سيكون بمثابة ضربة "اتفاقية مونترو" العسكرية السياسية التي وقعتها القوى العالمية مع تركيا عام 1936، والذي بموجبه تحددت الآليات القانونية للعبور عبر المضائق البحرية بين البحرين الأسود والأبيض المتوسط، والذي يسمح بحرية تنقل تامة للدول المُطلة على البحر الأسود، ومنها روسيا، دون أية مراقبة أو سلطة من قِبل تركيا، بالرغم من وجود تلك المضائق على أراضيها. كذلك يفرض مجموعة من الشروط على الدول التي لا تطل على البحر الأسود، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول حلف الناتو، الأمر الذي يُريح روسيا استراتيجياً.

أخبار ذات صلة

لماذا طال أمد الأزمة السورية؟.. دبلوماسي أوروبي يشرح الأسباب
على أردوغان أن يشعر بالقلق من إدارة بايدن.. 5 مؤشرات سلبية
2020.. عام الصراع الفرنسي التركي على مختلف الجبهات
تحذير من "النبرة والمضمون" لبايدن.. والرابحون "خصوم أميركا"

تتخوف روسيا من تأثيرات الممر الجديد، الذي سيكون خاضعاً لسيادة القرار التركي تماماً، وتالياً سيسمح لتركيا بفرض شروطها وقراراتها على السفن التي يمكن أن تعبر من ذلك الممر، الذي قد يمس الأمن القومي الروسي في البحر الأسود، المنطقة الأقرب والأسهل لروسيا للنفاذ إلى البحار الدافئة.

الهواجس السياسية الروسية من الممر المائي المزمع إنشائه تصاعدت عقب التصريحات الإعلامية للرئيس التركي، التي أكد فيها صراحة عن انزعاج بلاده من القيود المفروضة على سيادتها من جراء "اتفاقية مونترو"، التي قال بأن بلاده ستبقى تلتزم بها، لكن "إلى حين الحصول على شروط أفضل منها"، حسب تعبير الرئيس التركي.

الرئيس الروسي فلاديمر بوتن كان قد وجه تحذيراً مبطناً إلى نظيره التركي في التاسع من شهر أبريل الحالي: "فيما يتعلق بخطط تركيا لبناء قناة إسطنبول، أكدت روسيا على أهمية الحفاظ على اتفاقية مونترو لعام 1936 من أجل ضمان الاستقرار الإقليمي وسلامة النظام الإقليمي لمضيق البحر الأسود"، وهو تصريح أعتبره المراقبون للعلاقات الثنائية بين الطرفين الأكثر حدة، منذ إسقاط الجيش التركي للمقاتلة العسكرية الروسية ضمن الأراضي السورية.

الباحث والأكاديمي في مؤسسة النهرين خليل يوسفان شرح لـ"سكاي نيوز عربية" القلق الاستراتيجي التركي الراهن من جراء تصاعد الخلافات العسكرية السياسية مع روسيا: "إشكال سوء الفهم الراهنة بين البلدين تأتي في وقت حرج جداً بالنسبة لتركيا. فهي تستميت في سبيل تحسين صورتها وعلاقتها مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي أية مناسبة كانت. لكن الخطوات التركية في ذلك الاتجاه تأتي على الضد تماماً من المصالح القومية الروسية، وتهدد باتخاذ مواجهة سياسية وعسكرية ضدها، وهو ما قد يشكل ثقلاً اضافياً على الأمن القومي التركي".

الباحث الذي أعد رسالته الأكاديمية حول اشكال الصراع والوئام بين البلدين منذ القرن الثامن عشر، أضاف لـ"سكاي نيوز عربية": "على أن المواجهة المتوقعة بين الطرفين مستقبلاً تذهب لأن تكون صدامية، لأنها، وعلى العكس باقي اشكال الاحتكاك السابقة بينهما، أنما تمس الأمن القومي العسكري لروسيا، وهذه الأخيرة تملك الكثير من الأوراق الشرق أوسطية التي تستطيع بها إحراج تركيا، بالذات داخل سوريا والعراق".