لا يكاد يمضي يوم واحد إلا وتنقل وكالات الأنباء العالمية أخبارا عن أفعال وتصرفات وهجمات تقوم بها تنظيمات متطرفة، تدعي انتمائها وارتباطها بتنظيم داعش الإرهابي في إحدى الدول الإفريقية، خاصة دول جنوب الصحراء الإفريقية.
مقطع الفيديو الأخير الذي نشرته مواقع إخبارية قريبة من التنظيم، يُظهر شخصا مسلحا برشاش كبير مع أعداد من المسلحين يحيطون به، يؤكد فيه أنه ينتمي لتنظيم داعش، وأن هذا المقطع مصور في غابات دولة الكونغو، التي احتلت خليته أجزاء منها.
الرجل الذي كانت هيئته لا توحي بأنه من سكان الكونغو، قال في المقطع: "أدعو المسلمين جميعا للالتحاق بنا في دولة الكونغو".
شكك محللون وخبراء في شؤون التنظيمات المتطرفة في إمكانية شغل التنظيم لمساحات واسعة من غابات دولة الكونغو، خصوصا وأن الأجهزة الأمنية والعسكرية في تلك الدولة الإفريقية لم تصدر أية بيانات أو أخبار عن صدام مع مجموعات متطرفة ضمن حدود بلدها.
لكن إجماعا عاما في أوساط هؤلاء المحللين، ذهب للقول إن الفيديو الدعائي "ربما يكون علامة على استعدادات وتحركات متسارعة يقوم بها التنظيم، لتهيئة الأرضية لفتح جبهات قتال له في الدول الأوربية، بالذات تلك التي تحتوي مناطقها الجغرافية على مساحات معقدة من الغابات مثل الدول الاستوائية، والدول التي ليست ذات أغلبية مسلمة، لخلق صراع ديني والاستفادة من ذلك".
التسجيل المصور الأخير، جاء بعد أسبوعين فحسب من أحداث دولة موزمبيق أواخر مارس الماضي، حينما تمكن المئات من المسلحين المتشددين من احتلال بلدة بالما في الساحل الشرقي من البلاد، في عملية منسقة طالت لعدة أيام.
وقام هؤلاء المسلحين خلال العملية، بقتل مئات الموظفين في البلدة النفطية الحيوية في البلاد، وإحداث حالة من الذعر، خصوصا من سكان المناطق القريبة من البلدة، حيث قالت المنظمات المحلية أن أكثر من 30 ألفا من السكان فروا من منازلهم، وأوقفت كل المشاريع الاستراتيجية في تلك المنطقة، التي تشرف عليها شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال".
الباحث العراقي في شؤون الجماعات المتطرفة، ستار حلفي، والمقيم في العاصمة الفرنسية باريس، ربط في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" بين أحداث دولتي الكونغو وموزمبيق الأخيرة، وبين الإعلان الذي طرحه تنظيم داعش الإرهابي قبل عامين بالضبط، حينما كشف في أبريل 2019 عن تأسيس تنظيم في وسط إفريقيا "ISCAP"، لتكون المنطقة التي تتوسط دول الكونغو وموزامبيق وتنزانيا وزامبيا مركزا لنشاطه.
وأضاف: "فترة العامين الماضيين كانت كافية لتلقي الفاعلين على الأرض أشكالا من الدعم المالي واللوجيستي المعقد من تنظيم داعش الأم، وإن كان يتصرف كجسم مستقل، لكن الروابط بين الطرفين موجودة دون شك".
وشرح الحلفي تعقيدات تلك المنطقة، قائلا إنها تكاد أن تكون "بيئة مثالية لاستقرار التنظيم، وإمكانية حفاظه على نفسه لأطول مدة ممكنة".
وتابع: "غير التعقيد الجغرافي، فإن البنية الاجتماعية القبلية في تلك المنطقة الحدودية، إلى جانب سيطرة الزعماء المحليين على الكثير من الجغرافيات، بما يتجاوز سلطات الدولة الرسمية نفسها، مع هشاشة مؤسسات الحُكم والمراقبة، سيعطي للتنظيم القدرة على شراء الذمم والولاءات وارتكاب أعمال عنف إجرامية".
وبدوره، نشر معهد الأبحاث السياسية الخارجية الأميركي، تقريرا مفصلا حول الأحداث الأخيرة، شرح فيها الباحث المخضرم في شؤون "إفريقيا جنوب الصحراء"، كولين بي كلارك، تعقيدات التداخل الديني والاقتصادي والعرقي والسياسي لما يجري هناك.
ولفت إلى أن ذلك "قد يناسب تنظيما متطرفا مثل داعش، لكي يشغل مساحة ويمتلك القوة من خلال خلط الأوراق"، محذرا من أن "نموذج ما يجري في موزامبيق يمكن أن يتكرر في كل دولة إفريقية أخرى، لتشابه وتداخل المناخات والظروف البنيوية".
وقال كلارك في بحثه عن تعقيدات الحالة الموزامبيقية: "موزمبيق دولة ذات أغلبية مسيحية، لكن حوالي 18 بالمئة من المواطنين مسلمون، يقيمون بشكل أساسي في الشمال، بما في ذلك مقاطعة كابو ديلجادو، حيث وقعت معظم أعمال العنف".
واستطرد موضحا: "انتشرت الأشكال الأصولية للإسلام السياسي في البلاد على مدى العقود العديدة الماضية، وكانت إلى حد كبير على خلاف مع السلطات السياسية والدينية المحلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن جماعة (مواني" العرقية) - وهي مجموعة عرقية ذات أغلبية مسلمة ولها حضور كبير في كابو ديلجادو - لطالما اعتبرت نفسها مهمشة سياسيا واقتصاديا من قبل مجموعة الـ(ماكوندي) العرقية ذات الأغلبية المسيحية في المنطقة".
وأوضح أن "هذه التوترات الدينية والعرقية تلاقت مع مستويات منخفضة من الفرص الاقتصادية في كابو ديلجادو، التي تعتبر واحدة من أفقر المناطق في موزمبيق".
ثمة أشياء من ذلك في تفاصيل المشهد الإفريقي، ولا يبدو أن تنظيم داعش سيوفر مثل تلك البيئة المعقدة، التي قد تمده بحياة ما، بعد انهيار دولته المزعومة في منطقة الشرق الأوسط.
لكن المشهد الإفريقي يبدو أيضا محملا بتعقيدات السياسة الدولية، حيث تتراجع حظوظ وقوة الدول الأوربية، وبالذات فرنسا، من حيث سعيها للانخراط في الساحات الخارجية، ولا تسعى الولايات المتحدة لأي انخراط تام ودائم، في وقت تنمو فيه حظوظ الصين، لكنها تبدو حظوظا اقتصادية استثمارية، ولا تعتد بالملفات السياسية والأمنية قط.