تحاول الجالية المسلمة في أوروبا أن تحافظ على أجواء رمضان بحسب التقاليد والعادات الخاصة بكل بلد، وتنطلق الاستعدادات قبل أيام قليلة من شهر رمضان، حيث تمتلئ الأسواق بالمنتجات الأساسية الخاصة بالشهر، خاصة التمور والمكسرات، فيما ينشغل البعض بتنظيف الشقق وتزيينها.
غير أنه للعام الثاني على التوالي يمر شهر رمضان في ظل جائحة كورونا، مما يعني منع التجمعات لأكثر من 6 أشخاص، فيما لا يزال الحجر الصحي ساريا وإن كان أخف، والحدود لا تزال مغلقة، إضافة إلى حظر تجول جزئي في عدد من البلاد، ومن بينها فرنسا.
عثمان صاحب الـ28 سنة يقضي رمضان الثاني وحده في باريس، ويعيش مهندس المعلومات المغربي في شقة يتشاركها مع آخرين من نفس بلده، وبالنسبة له لا شيء يضاهي الأمسيات الطويلة مع العائلة ومائدة الفطور المميزة التي تعدها أمه بكل حب.
ويقول عثمان لموقع "سكاي نيوز عربية": "أحاول أن أخلق الأجواء التي تعودت عليها في بيتنا. قمت وأصدقائي في السكن بتنظيف البيت وإعداد بعض الأطباق المهمة في المائدة المغربية، خصوصا شوربة الحريرة وبعض المعجنات، لأنه يصعب شراؤها من محلات بيعها كما كنت معتادا لسنوات، وذلك بحكم تداعيات الوباء".
ويضيف: "عندما تتغرب، تفهم أهمية اللحظات التي تمر. تتذكر تفاصيل صغيرة. قبضة أمك القوية عندما تخبز الخبز وجرعة النعناع التي يجب وضعها حتى يكون الشاي مثاليا. لا يمكن تعلم هذه الأشياء عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو في كتب الطبخ. هي أمور تعاش وتحس".
أما رؤى علاوي من تونس، فتحكي بحنين كبير لموقع "سكاي نيوز عربية": "أشتاق لرائحة البخور في بيتنا والذهاب للمسجد لصلاة التراويح. تنقصني أطباق أمي الشهية وتواجدي في محيط فيه أناس يشبهونني. اليوم أحاول التوفيق بين نمط الحياة السريع في باريس وبين إعداد الطعام على الطريقة التونسية، لكن أحيانا ولضيق الوقت والإرهاق المترتب عن ساعات العمل ألجأ إلى الوجبات السريعة".
مبادرات إنسانية
وللمساعدة على مقاومة هذه العزلة، تكثر وتتنوع خلال هذا الشهر المبادرات الإنسانية التي تستهدف المحتاجين ماديا وعاطفيا.
إذ قبل الوباء كانت تعمل المساجد في مختلف المدن الفرنسية على إقامة موائد الإفطار المجانية، أما حاليا فستعمل امتثالا للإجراءات الحكومية على توزيع وجبات الطعام يوميا على عدد محدد من المحتاجين.
وفي مبادرة أخرى، اختارت كنزة التي تطلق على نفسها "خالة من البلاد"، مبادرة "للخروج من الوحدة" عبر "تويتر" من خلال الإفطار معا عبر الإنترنت.
العملية بسيطة، ما على الراغب في المشاركة في الإفطار سوى ملء استمارة قبل أن تقوم كنزة بإنشاء مجموعات.
وتقول كنزة لموقع "سكاي نيوز عربية": "عشت وحدة رمضان، ومن خلال هذه المبادرة أسعى إلى الحفاظ على الترابط بين الأشخاص المشاركين وخلق جو أسري أثناء الإفطار".
أما إنصاف، بحسب حديثها مع موقع "سكاي نيوز عربية"، فتعد فطورا لأسرتها وآخر لعدد من الطلاب الأجانب بإحدى الجامعات القريبة منها.
وقالت: "أعتبر هذا الشهر من الشهور العظيمة التي يجب أن لا ننسى فيها المحتاجين ولو بمجرد ابتسامة في وجه مغترب يعاني الوحدة والحاجة، خصوصا في ظل تداعيات هذا الوباء الذي أزم النفوس والجيوب".
وفي مقابل هذا العناء الذي تتخبط فيه مجموعة من أفراد الجالية المسلمة، وفي خطوة لعيش أجواء احتفالية وروحانية في كنف العائلة، قرر إدريس وأسرته الصغيرة الانتقال لبيت أخته ليمضي شهر رمضان معها.
وذكر: "في السنوات الماضية كنا نقتصر على تبادل الزيارات، لكن هذه السنة وبحكم حظر التجول الليلي، يستحيل فعل ذلك. فقررنا أن نجتمع على طاولة إفطار واحدة حتى نربي أبناءنا على ضرورة الحفاظ على قيم العائلة وتماسكها خصوصا خلال هذا الشهر المبارك، كما أننا سنصلي التراويح جماعة ونقيم كل التقاليد المعتادين عليها في المغرب".
ويختم حديثه: "نحمل تقاليد بلداننا في قلوبنا، نعيش تفاصيلها في كل مناسبة ونحاول نقلها وترسيخها في ذاكرة أطفالنا".