اختار الحزب الحاكم في فرنسا مدينة الداخلة المغربية لمخاطبة جمهوره في منطقتي المغرب العربي وغرب إفريقيا، في خطوة يرى مراقبون أنها تكرس دعم الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس إيمانويل ماكرون، لمغربية الصحراء.
وأعلن حزب "الجمهورية إلى الأمام" أنه قرر فتح فرعين بالمغرب، الأول في مدينة الداخلة التي تعتبر ثاني أكبر مدن الصحراء، والآخر بمدينة أكادير جنوب غربي المملكة.
وجاء الإعلان في بيان رسمي صدر عن المتحدثة باسم فريق الحزب في البرلمان الفرنسي رئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية ماري كريستين فيردير جوكلاس، وعن محاور الحزب بالمغرب العربي وغرب إفريقيا جواد بوسكوران.
وعبر المسؤولان عن سعادتهما بافتتاح هذين الفرعين الجديدين كأول هيئتين يتم إحداثهما سنة 2021 من قبل حزب "الجمهورية إلى الأمام"، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة لتأسيسه، مع إشادة خاصة بافتتاح فرع للحزب في مدينة الداخلة بالأقاليم الجنوبية للمغرب.
علاقات استراتيجية
ويعتبر الخبير في العلاقات الدولية وشؤون الصحراء أحمد نور الدين، أن اختيار حزب ماكرون مدينة الداخلة كقاعدة للتوجه إلى الفرنسيين بالمنطقة المغاربية وغرب إفريقيا "يأتي في سياق الدينامية الإقليمية والدولية التي يعرفها حاليا ملف الصحراء المغربية، الذي بات يحظى بدعم متزايد".
كما يتزامن القرار مع نقاش واسع داخل الأوساط السياسية الفرنسية تقوده عدة شخصيات لها ثقل في المشهدين الفرنسي والأوروبي، تدعو الرئاسة الفرنسية والاتحاد الأوروبي إلى التعبير عن دعم صريح للمغرب في قضية الصحراء.
وتزايد زخم هذا النقاش داخل فرنسا، منذ اعترفت الولايات المتحدة أواخر السنة الماضية بسيادة المغرب على الصحراء، وعززت هذا الاعتراف بافتتاح قنصلية لها في مدينة الداخلة.
وتنتقد الأصوات الداعمة لمغربية الصحراء ما تصفه بـ"تأخر فرنسي" في الإعلان عن موقف صريح يتوج بافتتاح تمثيلية دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية للمغرب.
ويشير نور الدين في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "فرنسا تسير في اتجاه تصحيح أخطاء الماضي المتعلقة بدورها في نزاع الصحراء"، ويكشف أن باريس تمتلك العناصر التاريخية التي تؤكد مغربية الصحراء، وبالتالي "عليها أن تعبر عن موقف واضح وصريح بشأن دعمها لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية".
ويعتبر المتحدث أن فرنسا تجمعها بالمغرب علاقات استراتيجية وثقافية وتاريخية وثيقة، لكن "تلك العلاقات العميقة لم تترجم بعد لصالح ملف الصحراء الذي يعد أهم ملف استراتيجي بالنسبة للمغرب".
دعم المغرب بالمحافل الدولية
وفي نفس اليوم الذي أعلن بخ الحزب الفرنسي الحاكم عن إنشاء فرع له بـ"لؤلؤة الجنوب المغربي"، جدد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان دعم باريس لمخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل نزاع الصحراء، وذلك خلال مباحثات بتقنية الفيديو جمعته، الخميس، بنظيره المغربي ناصر بوريطة.
ومنذ الوهلة الأولى، دعمت فرنسا هذا المخطط الذي طرحه المغرب سنة 2007 كحل للنزاع، ويقوم على منح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا مع احتفاظ الرباط باختصاصات السيادة.
وكانت فرنسا أول بلد يطلعه المغرب على تفاصيل صيغة المشروع، المستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، حيث زار وفد مغربي رفيع المستوى الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك في قصر الإليزيه عام 2007، وأطلعه على مضامين المشروع.
وفي ختام هذا اللقاء وصف شيراك مقترح الحكم الذاتي بـ"البنّاء لحل سلمي للنزاع" القائم منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، علما أن الرئيس الفرنسي الراحل من أبرز الداعمين للمغرب في ملف الصحراء.
ونبّه نور الدين إلى أن "فرنسا وقفت دائما إلى جانب المغرب في المحافل الدولية، لا سيما في مجلس الأمن الدولي، حيث حالت مرارا دون إصدار قرارات ضده في مجلس الأمن"، لكنه يؤكد أن هذا الدعم اتسم بـ"الاحتشام" طيلة العقود الماضية.
وغداة الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، شاركت فرنسا في المؤتمر الوزاري الذي نظم في يناير الماضي بشراكة مغربية أميركية لدعم مبادرة الحكم الذاتي، وقد كانت فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة المشاركة في المؤتمر الذي عرف مشاركة نحو 40 بلدا.
تنافس دولي على الداخلة
وإلى جانب الدلالات السياسية التي يحملها قرار الحزب الحاكم الفرنسي بشأن إنشاء فرع له بمدينة الداخلة، فإن هذه الخطوة لا تخلو من رهانات اقتصادية هدفها إيجاد موطئ قدم في هذه المنصة الواعدة على الصعيد الإقليمي.
ويرى نور الدين أن أنظار العالم باتت تتجه بشكل كبير إلى الداخلة التي تستعد لاحتضان أكبر ميناء بحري في غرب إفريقيا، الذي سيكون بوابة العالم نحو القارة.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن عزمها خلق مشاريع تنموية واستثمارات ضخمة في الداخلة بقيمة تفوق 2.5 مليار دولار، وذلك تزامنا مع إعلانها قرار افتتاح قنصلية لها بالمدينة.
وبعد الخطوة الأميركية بوقت قصير، بعثت الصين بوفد رسمي للداخلة تباحث مستقبل إقامة غرفة تجارية وصناعية صينية بالمدينة، وفرص إقامة مشاريع واستثمارات للعملاق الصيني في المنطقة.