أثار قرار مجلس مدينة ستراسبورغ، بمنح منظمة تركية إسلامية متطرفة مساعدة بقيمة 2.5 مليون يورو لبناء مسجد جديد، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، خاصة بعد رفض المنظمة التوقيع على "ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا".
وأقر مجلس مدينة ستراسبورغ (شرق)، الاثنين، اعتماد منحة تزيد قيمتها عن 2.5 مليون يورو لبناء جامع "أيوب سلطان" في حي لامينو، التابع لمنظمة مللي جوروش، الإسلامية التركية.
وفي حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، قالت عمدة المدينة، جين بارسيجيان، "اعتمد مجلس المدينة بأغلبية 42 صوتًا مقابل 7 أصوات، مبدأ الإعانة. مشيرة إلى أن "نص القرار الذي تم تعديله أثناء دراسته، ينص على أن السداد الفعلي للإعانة وسيكون موضوع تصويت آخر" في وقت لاحق.
وأضافت بارسيجيان "سنقوم بوضع شروط مسبقة لهذه المساعدة المالية وأهمها التوقيع المسبق على ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا وكذلك ضمانات بشأن شفافية التصرف في الأموال المخصصة لتمويل المشروع".
وأشارت بارسيجيان إلى أن مجلس المدينة قد منح منذ عام 1999 لأغلب دور العبادة منحا بــ 10 في المئة من تكلفة البناء. ومنذ عام 2008، منحت مدينة ستراسبورغ 22 مليون يورو كإعانات لمختلف الأديان.
لكن الجدل الذي أثير حول المساعدة الحكومية لمشروع جامع "أيوب سلطان"، جاء على خلفية مواقف منظمة مللي جوروش من "الإسلام السياسي والولاء الخارجي للنظام التركي".
وكانت جماعة مللي جوروش المنضوية تحت لواء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قد أعلنت في 21 فبراير الماضي رفضها توقيع "ميثاق مبادئ" لتنظيم شؤون المسلمين في فرنسا بصيغتها الحالية، معتبرة أن بعض فصول هذا الميثاق "تُضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة".
وأصدرت إلى جانب منظمة تركية أخرى هي "اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا"، وحركة "إيمان وممارسة" التابعة لجماعة التبليغ، بيانا مشتركا نددت فيه بما اعتبرتها "فقرات وصياغات في النص من شأنها أن تضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة".
وفي 18 فبراير الماضي، أقر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية رسميا "ميثاق مبادئ" للإسلام في فرنسا إثر طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من مسؤولي الديانة الإسلامية في البلاد التأكيد على مبادئ الجمهورية في إطار حملة ضد التطرف الديني.
من جانبها قالت النائبة الفرنسية، عن حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين) في إقليم غراند إيست، فيرجيني جورون في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، "من المؤسف أن يوافق الخضر (الحزب صاحب الأغلبية في المجلس) على صرف المال العام لهذه المنظمة التي ترفض التوقيع على ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا، الذي يدين الإسلام السياسي والولاء للخارج، وهي تهم تحوم حول هذه المنظمة، كما أنها تحافظ على صلات مع منظمة قطر الخيرية، غير الحكومية المشتبه في مشاركتها في تمويل الإرهاب".
وكانت المادة السادسة من ميثاق مبادئ الإسلام قد أثارت جدلا واسعا داخل مجلس الديانة، ودفعت الاتحادات الثلاثة داخل المجلس لرفض التوقيع على الميثاق.
وتشير المادة إلى مكافحة أي شكل من أشكال استعمال الإسلام لأغراض سياسية أو إيديولوجية، ورفض المشاركة في أي نهج يروج لما يعرف باسم "الإسلام السياسي"، وإدانة استخدام أماكن العبادة لنشر الخطاب السياسي أو لاستيراد الصراعات التي تحدث في أجزاء أخرى من العالم، ورفض نشر الخطابات القومية التي تدافع عن الأنظمة الأجنبية وتدعم السياسات الخارجية المعادية لفرنسا داخل دور العبادة، ورفض أي تدخل من الخارج في إدارة المساجد وتوظيف الأئمة.
الإسلام السياسي التركي
ويقول الباحث في العلوم السياسية بجامعة "باريس إست"، رامي التلغَ، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية": " جماعة مللي جوروش، امتداد لتيار الإسلام السياسي التركي، حيث شكلت في ثمانينات القرن الماضي الفرع الخارجي لتيار نجم الدين أربكان، ثم تم تنظيمها بشكل هرمي من خلال مركزها في مدينة كولن الألمانية وانتشرت في أغلب الدول الأوروبية، بيد أن طريقة عملها ومشروعها قريبان جداً من منهج جماعة الإخوان المسلمين."
وأضاف التلغّ "منذ العام ،1995 بدأت المنظمة في العمل العلني داخل فرنسا، من خلال مشاريع دينية وسياسية وإقتصادية تعتمد أساساً على الجالية التركية الكبيرة وخاصة في إقليم الشرق الفرنسي في مدن ستراسبورغ وماتز، حيث تدير نحو 300 جمعية في مختلف المجالات، إلى جانب وجودها داخل مجلس الديانة الإسلامية. ويعتبر مشروع جامع أيوب سلطان، أحد أكبر مشاريع المنظمة داخل فرنسا اليوم."
ووفقاً لمعلومات نشرتها المنظمة على موقعها الإلكتروني فإن المشروع، الذي بدأ العمل عليه في العام 2017، هو عبارة عن مجمع على مساحة 6900 متر مربع. يضم بالإضافة إلى المسجد، المباني الملحقة من خدمة إدارية، وقسم مخصص للأنشطة التعليمية، وغرف للوضوء، وغرف متعددة الوظائف، ومركز أبحاث وتوثيق، ورواق تسوق ومطعم. وتبلغ تكاليفه الإجمالية حوالي 32 مليون يورو، لكن المشروع توقف منذ عام 2019.
ويأتي ذلك بعد جدل تواصل لشهور حول دور تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان في اختراق البلاد عبر شبكات وشخصيات للتأثير على المجتمع الفرنسي، ونشر التطرف والفوضى وزرع النزعات الانفصالية بصورة "لا تتوافق مع قيم الجمهورية".
وكان وزير الداخلية الفرنسي قد تحدث في وقت سابق عن خطة لكسر هذا التأثير، في أعقاب اجتماع مجلس الدفاع الوطني في 30 أكتوبر الماضي، وتنفذ الخطة أجهزة المخابرات الفرنسية بجميع أذرعها، وتستهدف منع تأثير الدعاية الخارجية تجاه المسلمين المعتدلين الذين أصبحوا مهددين بالانزلاق نحو التطرف بعد الحملة القوية التي شنتها تركيا ضد فرنسا.