تصاعُد العمليات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، وسقوط عشرات الضحايا في دولتي مالي والنيجر الأسبوع الماضي، فجّر تساؤلات عدة عن أسباب ذلك التصاعد الدامي الخطير، وكذلك عن طبيعة تلك الجماعات "مجهولة الهوية" حتى الآن، حسب التوصيف الرسمي لها.
آخر فصول تلك الهجمات المتتالية كان مساء الأحد الماضي، عندما قتل مسلحون 22 مدنياً جنوب غربي النيجر، في مداهمة لـ3 قرى بمنطقة تيلابري المتاخمة لمالي وبوركينا فاسو.
وفي النيجر أسفر هجوم إرهابي عن مقتل 58 مدنيا قرب الحدود مع مالي، كما شهدت البلاد الأسبوع الماضي أيضا هجومين على مدار يومين، استهدفا الجيش المالي وأصيب في الأول 14 جنديا بمنطقة غاو بشمال البلاد، وفي الثاني بمدينة تيسي الحدودية مع النيجر وبوركينا فاسو، قُتل 33 من الجنود وأصيب 14.
يُضاف ذلك إلى ما يشهده إقليم تيلابيري، الواقع في "المثلث الحدودي" بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي، من هجمات دامية تشنها جماعات متشددة مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش منذ سنوات.
نشر الفزع
الباحث المالي، إبراهيما جاغوراغا، يقول إن الهجمات الإرهابية الأخيرة في منطقة الساحل، لاسيما في مالي والنيجر، يقف خلفها "جماعات إرهابية تدعي محاولة تطبيق الشريعة"، وتقتل المدنيين الأبرياء مثلما حدث في الهجوم على سوق في النيجر الأسبوع الماضي وقتل 58 مواطنا.
ويشير "جاغوراغا"، لـ"سكاي نيوز عربية"، إلى أن هذه الجماعات تسعى لإرهاب المجتمعات المحلية ونشر الرعب والفزع، وهو ما ظهر من خلال عمليات حرق الأسواق، كما تحاول اختراق المنظومات الأمنية لإظهار نوع من القوة وفرض التواجد على الأرض.
ويلفت الباحث المالي إلى أن تلك الجماعات تحصل على أموال طائلة من خلال خطف رعايا دول غربية ثم إطلاق سراحها بعد الحصول على فدية تمول بها عملياتها الإرهابية.
محاولة إثبات الذات
رئيس مجلس أمناء مؤسسة النيل للدراسات الإفريقية الاستراتيجية، والباحث في الشأن الإفريقي محمد عزالدين، يقول إن ليبيا كانت خلال الفترة الماضية بيئة خصبة للتيارات الإرهابية، وبعد التوصل للاتفاق السياسي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بدأت تلك العناصر الإرهابية العودة لمناطقها الأصلية في حوض نهر النيجر ومنطقة الساحل والصحراء.
ويضيف عزالدين لـ"سكاي نيوز عربية"، أن العمليات الإرهابية الأخيرة في النيجر وتشاد، محاولة لإثبات الذات واستعراض القوة، وتوصيل رسالة للدول بأن الجماعات الارهابية بإمكانها الإضرار بها.
ويدعو الباحث في الشأن الإفريقي دول القارة إلى تبني سياسة موحدة لمكافحة الإرهاب، لا سيما في دول الساحل، تشمل زيادة التعاون الأمني والاستخباراتي بين أجهزة تلك الدول لتتبع الإرهابيين وتوجيه ضربات استباقية لهم.
طرق المواجهة
الباحث القانوني، التشادي موسى على موسى، يقول إن العديد من دول الساحل والصحراء لا تزال تواجه خطر الإرهاب، مما يعطل التنمية، ومن الصعب التغلب على الإرهاب بانتهاج سياسة الانكار وحدها، دون تعزيز وحماية الحقوق والحريات.
وعن هوية أعضاء تلك الجماعات الإرهابية، يضيف موسى لـ"سكاي نيوز عربية"، أن أغلبهم من أبناء المنطقة الذين يشعرون بالظلم واليأس من حكوماتهم، ويتم استغلالهم من أطراف خارجية لأحداث اضطراب في النظام العامة وإضعاف الدولة والتسويق لأجندات خفية يصعب تحديدها.
ويشير الباحث التشادي إلى أن المواجهات المباشرة بالقوة لم تقدم نجاحات كبيرة حتى الآن في إنهاء الارهاب من جذوره، بقدر ما أسفرت عن خسائر كبيرة.
ومن الضروري بالنسبة لدول الساحل والصحراء تطبيق سياسات متوازنة ترتكز أساسا على التنمية والتعليم خصوصا في المناطق المقطوعة، المهمشة والريفية خصوصا، وتبادل المعلومات الاستخبارية لتعقيب أماكن الإرهابيين وتحركاتهم ووضع سياسات أمنية موحدة ومتزنة لمحاربة الإرهاب.
قوة عسكرية مشتركة
وكانت دول الساحل الأفريقي الخمس وهي: موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر، أنشأت قوة عسكرية مشتركة خلال القمة التي عقدت في العاصمة المالية باماكو في يوليو 2017، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقدر بـ5000 عنصر.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن في نوفمبر الماضي "أن تلك القوة المشتركة قد حققت تقدما على مستوى مواجهة حالة انعدام الأمن، التي لا تزال تعاني منها منطقة الساحل الأفريقي".
وتتواجد في منطقة الساحل الإفريقي أيضا مجموعة بعثات عسكرية، تتقاسم الهدف نفسه مع القوة المشتركة، وهي بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي المعروفة باسم "مينوسما"، وقوة برخان الفرنسية، وبعثة الاتحاد الأوروبي والقوات الخاصة "تاكوبا"، التي تقرر تشكيلها في مارس 2020، على يد فرنسا ومجموعة من حلفائها الأوروبيين والأفارقة.