أعلنت 4 اتحادات مكونة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، انسحابها النهائي من المجلس، الذي يعتبر المحاور الرئيسي للسلطات الفرنسية بشأن الدين الإسلامي، وتأسيسها لتنسيقية جديدة تمثل المسلمين في البلاد.
وقالت الاتحادات الأربعة، الجامع الكبير بباريس واتحاد "مسلمو فرنسا" (جماعة الإخوان) واتحاد "تجمع مسلمي فرنسا" و"الاتحاد الفرنسي للجمعيات الإسلامية لإفريقيا"، في بيان تلقت "سكاي نيوز عربية" نسخة منه: "بعد انسحاب الاتحادات الأربعة من المكتب التنفيذي للمجلس الفرنسي لعبادة المسلمين اعتبارًا من 17 مارس 2021، تم إنشاء لجنة تنسيق بين رؤساء هذه الاتحادات من أجل الاستمرار في خدمة مسلمي فرنسا".
وأضاف البيان "أن الهدف من هذا النهج هو إجراء تفكير متعمق في إعادة تأسيس تمثيل الدين الإسلامي في فرنسا لخدمة مسلمي فرنسا بشكل أفضل".
ودعت الاتحادات الأربع "جميع المسؤولين عن دور العبادة والمساجد إلى المشاركة بنشاط في هذا العمل المعمق، الذي سيسمح بظهور هيكل تمثيلي للعبادة الإسلامية في فرنسا قادر على تلبية تطلعات وطموحات المسلمين في فرنسا".
وتأتي هذه الخطوة بعد يومين من إعلان الاتحادات الأربعة المكونة للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، انسحابها من المكتب التنفيذي للمجلس، احتجاجاً على قرار رئيس المكتب التنفيذي، محمد موسوي، عقد اجتماع للمجلس لتعيين المسؤول الدعوي الوطني للسجون من جانب واحد، على حد قولها.
وتأسس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في العام 2003، باعتباره هيئة مستقلة تهدف لتمثيل المسلمين في فرنسا أمام سلطات الدولة في المسائل المتعلقة بالممارسة الدينية، إذ يتدخل المجلس في بناء المساجد، وتنظيم سوق الطعام الحلال، وتدريب الأئمة، والتعليم والدعوة لفائدة السجناء المسلمين في السجون الفرنسية، وفي الجيش الفرنسي، وبناء الساحات المخصصة للمسلمين في المقابر، وتعود له مهمة تحديد مواعيد الأعياد الدينية للمسلمين، وخاصة شهر رمضان.
من جانبه، قال شمس الدين حفيظ، عميد الجامع الكبير بباريس، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "ستجسد الهيئة التمثيلية الجديدة القيم الأساسية للإسلام الأصيل والمفتوح، في الكرامة والإنصاف، في انسجام تام مع قيم ومبادئ الجمهورية الفرنسية".
وأضاف "تريد هذه الهيئة التنسيقية الجديدة أن تكون قريبة من دور العبادة والمساجد والمؤمنين، لتقديم خدمة أفضل لمسلمي فرنسا، مع إدارة قائمة على المساواة بين مختلف الحساسيات وبعيدًا عن أي هدف للهيمنة. ومن هذا المنظور، فإن التنسيقية الجديدة تدعو مختلف مسؤولي دور العبادة والمساجد الذين يشاركون هذه القيم التأسيسية للانضمام إلى هذه الديناميكية".
صراع التمثيل
ورداً على هذه الخطوة، قال محمد موسوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، في اتصال مع سكاي نيوز عربية، "من المؤسف أن الاتحادات الأربع المنسحبة تريد أن تكرس نفسها الممثل الوحيد للمسلمين في فرنسا ويحرمونهم من حق التشاور والمشاركة في اجتماعات وزارية مستقبلية ".
وأشار موسوي إلى أن هذه الاجتماعات "التي ستبدأ قريبا ستسمح للمسلمين في فرنسا بأن يقرروا بأنفسهم طريقة إدارة الهيئات التمثيلية لدينهم".
وأضاف موسوي أن الاتحادات الأربعة لم تتوقف عن المطالبة بتعزيز نظام التعيين والتخلي عن جميع أشكال الانتخابات، كما عارضت بشدة إنشاء مجالس المقاطعات التمثيلية للمسلمين، واشترطت في حالة وجودها أن تبقى غير رسمية وتعيين أعضائها من طرف الاتحادات".
وتابع محمد موسوي: "هذه المطالب هي عكس توقعات المسلمين في فرنسا والذين يطالبون بإلغاء النظام التعسفي للتمثيل القائم على التعيين وليس الانتخاب، والذي يُشوّهُ تمثيل الديانة الإسلامية في فرنسا. كما يطالبون بإنشاء مجالس المقاطعات لمجلس الديانة عن طريق الانتخاب المباشر من طرف المؤمنين في مقاطعاتهم وليس من خلال التعيين الفوقي."
وأشار إلى أن الاتحادات الأربعة المنسحبة تريد شلّ المجلس عن القيام بدوره.
ويعاني المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية منذ سنوات من عدم تجانس في مكوناته، حيث يتألف من 9 اتحادات ذات خلفيات سياسية وفكرية مختلفة تماما.
وكانت ثلاثة اتحادات من أصل تسع منضوية في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قد أعلنت في 21 فبراير الماضي رفضها توقيع "ميثاق مبادئ" لتنظيم شؤون المسلمين في فرنسا بصيغتها الحالية، معتبرة أن بعض فصول هذا الميثاق "تُضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة".
وأصدرت الهيئات الثلاث وهي، "اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا"، و"الاتحاد الإسلامي مللي غوروش في فرنسا"، وحركة "إيمان وممارسة" التابعة لجماعة التبليغ، بيانا مشتركا نددت فيه بما اعتبرتها "فقرات وصياغات في النص من شأنها أن تضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة".
وفي 18 فبراير الماضي أقر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية رسميا "ميثاق مبادئ" للإسلام في فرنسا إثر طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من مسؤولي الديانة الإسلامية في البلاد التأكيد على مبادئ الجمهورية في إطار حملة ضد التطرف الديني.
وكانت المادة السادسة من ميثاق مبادئ الإسلام قد أثارت جدلا واسعا داخل مجلس الديانة، ودفعت الاتحادات الثلاثة داخل المجلس لرفض التوقيع على الميثاق.
وتشير المادة إلى مكافحة أي شكل من أشكال استعمال الإسلام لأغراض سياسية أو أيديولوجية، ورفض المشاركة في أي نهج يروج لما يعرف باسم "الإسلام السياسي"، وإدانة استخدام أماكن العبادة لنشر الخطاب السياسي أو لاستيراد الصراعات التي تحدث في أجزاء أخرى من العالم، ورفض نشر الخطابات القومية التي تدافع عن الأنظمة الأجنبية وتدعم السياسات الخارجية المعادية لفرنسا داخل دور العبادة، ورفض أي تدخل من الخارج في إدارة المساجد وتوظيف الأئمة.