قدم مجلس أوروبا لحقوق الإنسان تقريرا أسود، نشر الثلاثاء 9 مارس، شجب بشدة من خلاله "عدم وجود إرادة من الدول الأوروبية" لوضع سياسات لحماية المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط، مما تسبب في إزهاق "آلاف الأرواح البشرية".

ويعتبر التقرير أنه يمكن تجنب غرق السفن المحملة بالمهاجرين إلى حد كبير من خلال نهج "منسق وعادل" للدول الأعضاء السبع والعشرين.

وضع مأساوي

تقول مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، دنيا مياتوفيتش في بداية التقرير: "على مدى سنوات، انخرطت البلدان الأوروبية في سباق نحو الهاوية، لإبقاء من هم في حاجة إلى حمايتنا خارج حدودنا، ما تسبب في نتائج وخيمة".

وتؤكد مياتوفيتش أن وضع حقوق الإنسان في منطقة البحر المتوسط "يرثى له"، إذ أنه بحسب أرقام المنظمة الدولية للهجرة تم تسجيل أكثر من 2600 حالة وفاة بين يونيو 2019 ونهاية عام 2020.

واعتبر التقرير أنه عدد أقل بكثير من الواقع بحكم أن السفن تتحطم غالبا بعيدا عن الرادارات.

قوارب اللاجئين تتحول إلى حقائب

 انتهاكات وتقييد عمل المنظمات الإنسانية

وعن أسباب هذا التدهور، قالت مياتوفيتش إن "الدول الأوروبية تسحب سفنها تدريجيا من البحر المتوسط، وتعيق عمليات الإنقاذ التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية بدلا من اعتبارها تملأ الفجوات التي خلفها انسحابها أو تؤخر عمليات الإنزال، ففي نوفمبر 2020، تم إبقاء 1195 مهاجرا في سفينة قبالة صقلية بسبب الحجر الصحي".

ومن جهة أخرى، عبرت المفوضة الحقوقية عن سبب مقلق آخر يتمثل في اقتصار عمل الأوروبيين في البحر على تسهيل الطريق لخفر السواحل الليبيين، المدربين والممولين من الاتحاد.

وأضافت في هذا الشأن أنه خلال الفترة المذكورة، اعترضوا وأعادوا نحو 20 ألف شخص إلى ليبيا التي "يتعرض فيها المهاجرون لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان".

أخبار ذات صلة

فقدان عشرات المهاجرين قبالة السواحل الليبية
رحلات الرعب.. قوارب إيرانية تتدفق على بريطانيا
غرق أكثر من 100 مهاجر قبالة السواحل الليبية
بالصور.. قوارب اللاجئين تتحول لحقائب بألمانيا

تطوير طرق هجرة آمنة وقانونية

وفي الختام، تدعو مياتوفيتش الدول الأعضاء في مجلس أوروبا، وجميع الأطراف الموقعة على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إلى اتخاذ تدابير للحفاظ على حياة المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط. محذرة من أن "هذه مسألة حياة أو موت، كما أنها مسألة تعكس التزام الدول الأوروبية بحقوق الإنسان".

ويدعو التقرير الدول الأوروبية إلى "تطوير طرق هجرة آمنة وقانونية"، من خلال تعميم "التأشيرات الإنسانية" التي لا تزال "غير مستغلة"، أو من خلال تخفيف القواعد التي تسمح بلم شمل الأسرة. وعبر هذه الإصلاحات يمكن الحد من "الاتجار بالبشر".

استقرار وتغيرات في اتجاهات الهجرة

ويقول رئيس معهد الاستشراف والأمن بأوروبا، إيمانويل ديبوي، في مقابلة مع موقع سكاي نيوز عربية إن هذا التقرير السنوي لم يقدم أي جديد فيما يخص موضوع الهجرة غير الشرعية.

ويوضح ديبوي: "سبق وتناول ميثاق مراكش في ديسمبر 2018 الذي تبناه ممثلو نحو 150 دولة، اقتراحات لمساعدة الدول على مواجهة موجات الهجرة غير الشرعية، من ضمنها تخفيف المخاطر التي يواجهها المهاجرون في طريقهم إلى بلدان المهجر وتوفير الرعاية اللازمة لهم أثناء إعادتهم، وهو ما جاء في هذا التقرير".

ويتابع "أفاد تقرير مجلس أوروبا كذلك بأن مشكلة الهجرة قائمة وحقيقة يجب الاعتراف بها، لكنه في المقابل أكد على أن سياسة الهجرة الجديدة تسير في طريق خفض عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون المتوسط. إذ بلغ عددهم حوالي 100 ألف شخص في عام 2019 بعدما كانوا يتجاوزون عتبة 1.5 مليون قبل خمس سنوات. كما يمكن ملاحظة استقرار في منحى الوفيات، فقد تم تسجيل حوالي 2500 قتيل سنة 2019 و2600 سنة 2020، فيما كان يتعدى عدد الضحايا 4400 ما بين 2015 و2016".

غرق قارب يحمل نحو 50 مهاجرا قبالة مصراتة

 من جهة أخرى، يقول ديبوي إن "التقرير أكد أن المهاجرين حاليا يميلون بحوالي 40 في المئة في اتجاه الهجرة جنوب-جنوب وليس جنوب- شمال أي يفضلون "هجرة القرب".

وبالنسبة للاتفاقيات المبرمة مع تونس وليبيا لإعادة المهاجرين غير الشرعيين والحد من تدفقهم على مياه الاتحاد الأوروبي، خاصة سواحل إيطاليا، فقد أكد رئيس معهد الاستشراف والأمن بأوروبا أنها أعطت أكلها والأهم حاليا هي الاتفاقية المبرمة بين تركيا والاتحاد الأوربي في ظل التدفقات الكبيرة للمهاجرين على اليونان وبلغاريا والتي يصعب تطبيقها لأسباب دبلوماسية.

ويستطرد "لا يزال الاتحاد الأوروبي يثق في أنقرة ومنحها دعما بقيمة 6 مليارات يورو لتوفير إمدادات لنحو أربعة ملايين لاجئ على ترابها".

وفي سياق آخر، أبرز ديبوي أنه ليس عن طريق هذه الاتفاقيات بين الدول يتم حل هذه المعضلة، لأنه من الخطأ القول إن تونس أو ليبيا كدول بإمكانها التحكم في الهجرة غير الشرعية، فالمتحكم الفعلي هم المنظمات الإجرامية التي تتاجر في البشر، فيما يقتصر دور الدول المصدرة للمهاجرين في المراقبة والردع، لهذا تم إنشاء الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس"، وهدفها الأساسي تنسيق مراقبة الحدود.

أما عن تسهيل الحصول على تأشيرات "شينغن"، فيختم ديبوي حديثه قائلا: "هذه النقطة تم التطرق إليها في عدة مناسبات وأبرزها قمة الاتحاد الإفريقي- الاتحاد الأوربي في أبيدجان في نوفمبر2017، حيث قام المغرب باقتراح بدائل ناعمة لمعالجة ملف الهجرة، على رأسها اقتراح كوتا الدخول إلى فضاء شينغن حسب الطاقة الاستيعابية لكل دولة أوروبية".

أخبار ذات صلة

لعنة المتوسط.. ماذا يدور بحرب الدول ومهربي البشر؟
"مأساة جديدة" لمهاجرين في رحلة لإيطاليا
وكالة: أمواج الهجرة الأفريقية تهدد حدود أوروبا الجنوبية
ميركل تطالب بإيجاد فرص هجرة قانونية للأفارقة

أوروبا في حاجة

يعتبر عالم الاجتماع وأخصائي الهجرة والخبير في قضايا الاتجار بالبشر، أوليفييه بيروكس، في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية أن بعض الرواسب طعمت الرفض الكبير للمهاجرين غير الشرعيين عند مسؤولي الدول المعنية بهذا الملف، خصوصا قضية الإرهاب، مما حجب الرؤية عند الدول المصدرة أو المستقبلة عن الآثار السلبية والمعاناة الإنسانية التي يعيشها المهاجرون غير الشرعيون.

في المقابل، يقول بيروكس إن "الحياة الاقتصادية في أوروبا تعتمد بشكل كبير على اليد العاملة الأجنبية القادمة عن طريق الهجرة، كما أن معظم الدول الأوربية تعاني من الشيخوخة وقبول المهاجرين قد يشكل حلا لكل هذه المعضلات".

وينهي تصريحه موضحا أن "الدول الأوروبية تدرك جيدا حاجتها الشديدة للمهاجرين. وفي هذا السياق، تلجأ بعض الدول الأوروبية إلى تكوين مهاجرين دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي تخوفا من ردة فعل الرأي العام والنخبة السياسية، فيما لا تسعى دول أخرى إلى منع عمل المهاجرين في خفاء دون حصولهم على حقوقهم كاملة، لأن هدفها الأساسي هو تغطية النقص الحاصل في اليد العاملة واستمرارية سير عجلة الاقتصاد".