الرئيس الأميركي الثامن عشر، يوليسيس غرانت، المنتهية ولايته، يجلس إلى مائدة عامرة بالطعام في البيت الأبيض، أعدتها زوجته جوليا، بحضور الرئيس المنتخب رذرفورد بي هايز وقرينته لوسي، كان هذا هو المشهد الذي انتهت به أحد أكبر الأزمات في التاريخ السياسي الأميركي، قبل نحو 150 عامًا.
وأعاد التنصيب الاستثنائي الذي جرى، الأربعاء، مشهد انتخابات عام 1876 إلى الأذهان، خاصة بعد أن دأب الرئيس السابق دونالد ترامب على التشكيك في نزاهة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعلى إثر ذلك واجه المجتمع الأميركي خطر الانقسام، في ظل أحداث مأساوية بلغت ذروتها باقتحام الكونغرس الأميركي في مشهد عبثي، تابعه العالم بأكمله.
ومثلما كان وقع انتخابات 2020 مخيفًا في نفوس الأميركيين، كان الوضع كذلك أثناء انتخابات عام 1876 التي أجريت بين الجمهوري رذرفورد بي هايز، والديمقراطي صاموئيل تيلدن، وتخللها اضطرابات هددت وحدة الأمة الأميركية، خاصة أن الوحدة كانت لا تزال هشة، بعد فترة وجيزة من نهاية الحرب الأهلية واغتيال أبراهام لينكولن عام 1865.
وخلفَ لينكولن في المنصب نائبه أندرو جونسون حتى عام 1869، ثم جاء بعده إلى البيت الأبيض يوليسيس غرانت، ليصبح الرئيس الأميركي الثامن عشر من عام 1869 حتى 1877.
وبعد نزاع طويل ومثير حول نتيجة الانتخابات الرئاسية بعد نهاية فترة حكم غرانت، دخل الرئيس المنتخب هايز إلى البيت الأبيض يوم 5 مارس من عام 1877.
لجنة الكونغرس
كولين شوغان نائب الرئيس الأول ومدير مركز ديفيد م. روبنشتاين لتاريخ البيت الأبيض، التابع لجمعية البيت الأبيض التاريخية، تروي لموقع "سكاي نيوز عربية" قصة هذه الواقعة التاريخية المثيرة، التي حدثت في عام 1876، وامتدت حتى عام 1877.
وتقول شوغان إن الاضطرابات بدأت في هذه الانتخابات مع تقدم الديموقراطي صاموئيل تيلدن في التصويت الشعبي، لكن لم يكن لديه سوى 184 صوتًا انتخابيًا، أي أقل من 185 صوتًا اللازمة للفوز في الانتخابات.
وتتابع: "كانت نتائج انتخابات أربع ولايات محل نزاع، هي: أوريغون، ساوث كارولينا، لويزيانا، وفلوريدا ووفقًا للدستور، تم تكليف الكونغرس بالبت في الانتخابات من خلال تشكيل لجنة من الحزبين لحسم النتيجة."
وبحسب شوغان أبرم المرشح الجمهوري، رذرفورد ب. هايز، صفقة مع قادة الكونغرس، وافق بمقتضاها على إنهاء سياسات إعادة الإعمار الفيدرالية في الجنوب، والتنازل عن السيطرة مرة أخرى لصالح الحكام الديمقراطيين، وفي المقابل حصل على جميع أصوات الهيئة الانتخابية المتنازع عليها، وفاز بالرئاسة.
تهديد بانقلاب
بعد تسوية لجنة الكونغرس النزاع الانتخابي التاريخي، أدى هايز اليمين الدستورية في احتفال خاص بالبيت الأبيض في 3 مارس 1877، وتصف شوغان حالة القلق التي انتابت هايز حينها، قائلة: "كان يوم 4 مارس أحد أيام الأحد ولم يرغب هايز في أداء القسم يوم السبت، لكنه كان يخشى محاولة منافسه "تيلدن" القيام بانقلاب وأداء اليمين الدستورية بنفسه في 4 مارس، لذلك أدى هايز اليمين في اليوم السابق لضمان انتقال السلطة".
وتوضح أن رذرفورد ب. هايز أدى اليمين الدستورية مرة ثانية علنًا في 5 مارس 1877 في شرق بورتيكو في مبنى كابيتول الولايات المتحدة، بعد أداء اليمين وإلقاء خطاب تنصيبه، توجه هايز بصحبة زوجته لوسي هايس إلى البيت الأبيض؛ حيث أعدت وجبة الغداء جوليا غرانت، زوجة الرئيس المنتهية ولايته أوليسيس غرانت، وبعد انتهاء الوجبة، غادر الرئيس غرانت وزوجته البيت الأبيض.
وتختم مدير مركز "ديفيد م. روبنشتاين" لتاريخ البيت الأبيض: "دائمًا ما تكون الانتخابات المتنازع عليها مثيرة للجدل"، مؤكدة على أن الحل الوحيد هو نقل السلطة، دون تدخل عسكري، وهو ما يظهر السيادة القانونية والسلطة لدستور الولايات المتحدة في عمل الحكومة الأميركية والديمقراطية.
تيلدن الذي عمل محاميًا، وشغل منصب حاكم نيويورك، رفض خوض الانتخابات مرة ثانية في عام 1880، ووهب حياته للعمل الخيري.
أما هايز الذي كان محاميًا هو الآخر فتعهد بقضاء فترة واحدة في الحكم، ومغادرة المنصب الرئاسي وهو الوعد الذي أوفى به، وتقاعد في منزله في ولاية أوهايو، ليصبح من دعاة الإصلاح الاجتماعي والتربوي.