يبدو أن تهديدات زعيم الحركة القومية التركية، دولت بهجلي، بشأن إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد لحقوق الأكراد في تركيا لم تكن مجرد تصعيد إعلامي وسياسي، لأن الحزب الحليف لحزب العدالة والتنمية الحاكم، سيقوم بخطوات عملية في هذا الاتجاه.
وستتحرك الحركة القومية، على الأرجح، من خلال تقديم مذكرة ادعاء رسمية بحق الحزب، تتهم الشعوب الديمقراطي بإثارة وارتكاب أعمال عُنف وتبعية لحزب العُمال الكردستاني.
ويشكل هذا تهديداً مباشراً لإغلاق الحزب خلال الشهور القليلة المقبلة، لاسيما أن الهيئة القضائية العُليا التي تبت في مثل هذه القضايا، تتبع إرادة حزب العدالة والتنمية الحاكم تماماً.
ويتخذ ادعاء حزب الحركة القومية المتطرفة وتهديدات زعيمها للحزب الكردي من أحداث السادس من أكتوبر 2014 شماعة لتنفيذ ذلك.
وبينما كانت وسائل إعلام دولية تتهم تركيا وسلطة حزب العدالة والتنمية بالمساعدة الموضوعية لتنظيم داعش الإرهابي أثناء هجومه على بلدة كوباني الكردية شمال شرق سوريا، دعا حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد لحقوق الأكراد للخروج بمظاهرة مدنية منددة بسياسة رئيس الوزراء وقتئذ رجب طيب أردوغان.
واعتبرت السلطات التركية هذا التحرك بمثابة دعوة للعنف والانفصال، واعتقلت على أساسه أكثر من 16 ألف عضو من الحزب المذكور، بما في ذلك زعيم الحزب صلاح الدين ديمرتاش، المُعتقل منذ أكثر من أربعة سنوات، دون أن يخضع لمحاكمة واضحة.
تغيير قواعد اللعبة
ويرى مراقبون للمشهد التركي في خطوة التحالف الحاكم سعياً لتغيير "قواعد اللعبة" السياسية في البلاد، وأن الأمر لا علاقة له بسلوك حزب الشعوب الديمقراطية وخياراته السياسية. فحزب العدالة والتنمية مع شريكه حزب الحركة القومية المتطرفة يفقد مزيداً من شعبيته، حتى أن أغلب استطلاعات الرأي ذهبت للقول بأن شعبية التحالف لا تتجاوز 35 في المئة وسط مجموع مواطني تركيا.
ويشكل هذا التراجع خطراً محدقا بمستقبل أردوغان السياسي، خصوصاً خلال الانتخابات البرلمانية المتوقعة في العامين المقبلين، فأي تحالف بين الحزب الكردي مع حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، قد يطيح بسلطة أردوغان. ولذلك، سيتجه أردوغان إلى عرقلة الحزب الكردي، ودفعه لمقاطعة الانتخابات، والاقتراب المؤقت من بعض الشخصيات الكردية، بُغية تجاوز ذلك الاحتمال، وفقا لمراقبين.
يشكل حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد تحدياً رئيسياً لحزب العدالة والتنمية وسلطة الرئيس أردوغان. فقد كان منذ نشأته عام 2012 أكثر الأحزاب السياسي حيوية في تاريخ تركيا الحديث وفقا لمراقبين، إذ تمكن بعد ثلاثة سنوات فقط من تأسيسه أن يتحول إلى الحزب الثالث في البلاد من حيث الشعبية، مستحوذاً على ولاء القاعدة الشعبية لأبناء القومية الكردية في جنوب شرقي البلاد، إلى جانب الكثير من القواعد الاجتماعية اليسارية والفقيرة، التي صارت تعتبر الحزب أداة لمعارضة الحزب الحاكم.
ضغوط هائلة
وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد أوردت تقريراً تفصيلاً عن أحوال الحزب الكردي في تركيا، وما يتعرض له من ضغوط هائلة. فالبلديات العامة والتي فاز بها الحزب المذكور تتعرض لمحاكمات متواصلة، بغية إقصاء المنتخبين ووضع أوصياء موالين للسلطة الحاكمة، وهو أمر حدث خلال العامين الماضيين مع الأغلبية المطلقة من البلديات التي فاز بها الحزب.
موازاة مع ذلك، تجري فصول من المحاكمات والإقصاء أعضاء البرلمان من الحزب، فتم تحويل أكثر من نصفهم إلى القضاء، بتهم جاهزة تتعلق بمساندة الإرهاب. وامتد الأمر للقواعد الحزبية والناشطين المقربين من الحزب، واعتقل 16 ألف من كوادر الحزب، وجرى تضييق الخناق على النشاط المهني لكل الفاعلين المدنيين والاقتصاديين القريبين من الحزب.
تعتقد الاستراتيجية السياسية لحزب العدالة والتنمية وسلطة الرئيس أردوغان بأن حملة الضغوط وإغلاق الحزب ستمنعه من القدرة على إعادة بناء نفسه تنظيمياً وإيديولوجياً واقتصادياً خلال العامين المتبقين قبل إجراء الانتخابات العامة، أما في حال صدور قرار الإغلاق، فسيضمن ذلك الاستيلاء على كل ممتلكات الحزب.
وربما تشهد تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، تحسباً لمزيد من خسارة الشعبية العامة، وهو أمر سيزيد الصعوبات أمام الحزب الكردي.
ولاقت خطوات التحالف الحاكم تجاه الحزب الكردي اعتراضات واسعة من القوى المدنية والثقافية التركية، لأنها شعرت بأن هذه الخطوة السياسية ستؤثر سلبا على مستقبل الحياة السياسية في تركيا.
وكتب كمال أوزترك مقال مطول في موقع "تورك خبر"، انتقد فيه خطوات التحالف الحاكم: "من قبل، تم إغلاق حزب الشعوب الديمقراطية مرات عديدة، وسُجن أعضاؤه وحظروا، لكن لم يتغير شيء. في الواقع، حدث العكس. لقد أصبحوا أكثر راديكالية وأظهروا دعمًا أكثر جرأة لحزب العمال الكردستاني. رغم كل هذا، لم تنخفض نسبة التصويت لهم، بل ازدادت".
ويطلب الكاتب في مقالته من السلطة الحاكمة الإجابة على الأسئلة الجوهرية التي قد تُنجي تركيا من واقعها السياسي بدل الذهاب لإغلاق الحزب الكردي: "لماذا يواصل الناس التصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي في حين أنه لا جدال الآن في ارتباطه بـ"المنظمة الإرهابية"، وما هو مطلب 6 ملايين شخص صوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي، ولماذا لا تنقطع القواعد الاجتماعية المؤيدة عن حزب الشعوب الديمقراطي، ووما يجب فعله لكسب قلوب هؤلاء الناس".
وشرح الباحث تارهان أرديم، في مقابلة صحفية، تفاصيل الحياة السياسية في تركيا بناء على هذا التوجه، فقال "إن التاريخ السياسي التركي لم يشهد أبدًا تحالفًا مشابهًا لشراكة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية.
وأضاف أن الحزبين يتظاهران بالاختلاف حول الموقف من حزب الشعوب الديمقراطية، لكنها متوافقان جوهريا تماماً بشأن الخيار السياسي تجاهه. وما يعزز ذلك، هو أن حزب الحركة القومية لن يكون قادراً على دخول البرلمان ما لم يكن مع حزب العدالة والتنمية، والطرفان يحتاجان إلى "عدو وظيفي" هو حزب الشعوب الديمقراطية، على الأقل حتى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة".