على وقع العزلة التي تعيشها أنقرة، تتوالى الإشارات والتصريحات المتوددة الصادرة من العاصمة التركية تجاه أوروبا، لتدعو لطي صفحة الخلافات وتجاوزها، بعد بلوغ التوتر بين الطرفين مداه الأقصى مؤخرا، لدرجة فرض بروكسل جملة عقوبات أولية على أنقرة قابلة للتمديد، بل والتشديد على ضرورة وقف الممارسات التركية حيال جملة بلدان أوروبية رئيسية.
لكن هذا التقارب الكلامي التركي حتى الآن لا تترجمه أنقرة في سلوكها على الأرض، في وقت لا يزال سيف العقوبات الأوروبي-الأميركي مسلطا على رقبتها.
ويرى مراقبون أن العبرة في التطبيق وليست في إطلاق التصريحات والوعود غير المقرونة بترجمات عملية في الواقع، مشيرين في هذا الصدد لبرودة ردود الفعل الأوروبية حيال نبرة الغزل والتودد التركية، التي لا تؤخذ على محمل الجد.
ويقول رئيس تحرير مجلة "الإنصات المركزي" الصادرة باللغة العربية في كردستان العراق، محمد عثمان أمين: "ليس خافيا طبيعة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الازدواجية في العلاقات الخارجية، فهو عندما يصعد مع أميركا أو أوروبا، نجده يوغل في تحديه، وعندما تتطلب المرحلة التهدئة وإعادة العلاقات، نجده يبعث برسائل غزل وود، فهذه السمة عنه معروفة لدى القادة الأوروبيين والأميركيين، وحتى الروس".
ويضيف في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية": "مع اقتراب القمة الأوروبية في مارس المقبل، وتولي جو بايدن السلطة في أميركا هذا الشهر، وكذلك بعد فرض العقوبات الأوروبية الأخيرة وما تبعها من تهديدات بزيادة حدتها، تستشعر تركيا الخطر، لذلك وبعكس استراتيجية الاندفاع والتحدي، تعمل على ترطيب الأجواء مع الغرب تفاديا للعاصفة".
ويتابع: "ثمة العديد من الملفات والقضايا العالقة بين تركيا والغرب، أبرزها ملف العلاقة المتعثرة مع فرنسا، وكذلك العلاقة المتوترة والمشحونة مع اليونان نتيجة تنقيب أنقرة عن الغاز في شرق المتوسط، إلى جانب مسألة المهاجرين عبر تركيا".
واعتبر أمين أن الخطاب التركي الحالي إزاء أوروبا "يبدو مختلفا عن السابق، إذ كان مشحونا بالتهديد والوعيد وفي بعض الأحيان كادت الأمور تصل حد الصدام العسكري مثلا مع اليونان، رغم وجودهما في حلف الناتو".
ويستطرد حديثه قائلا: "في المقابل، ومع الرسائل الأميركية السلبية لأنقرة عبر التعيينات الجديدة من قبل بايدن في إدارته، فإن الاتحاد الأوروبي لا يريد مجرد رسائل غزل من تركيا، بل ممارسات ودية ملموسة وعملية، موضحا عبر مقرر البرلمان الأوروبي بأنه يجب على أنقرة اتخاذ خطوات واضحة، بتطبيق قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والإفراج عن الزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش وغيره من السجناء السياسيين".
كما ينبغي على تركيا إعادة رؤساء البلديات الكردية إلى مناصبهم التي حصلوا عليها بموجب الانتخابات، وكذلك عدم التدخل في قرارات القضاء واحترام استقلاليته، والكف عن استخدام ورقة المهاجرين، بحسب أمين.
من جانبه، يرى الصحفي والكاتب الكردي، الخبير في الشأن التركي، جمال آريز، أن تركيا أصبحت ترى نفسها معزولة على الصعیدین الدولي والإقليمي، ناهیك عن الوضع الداخلي الضاغط من الناحیة الاقتصادیة والسیاسیة.
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية: "نتيجة لذلك، فإن التصريحات الأخيرة الصادرة عن أنقرة، ما هي إلا محاولة للخروج من تلك العزلة".