عندما صوت مجلس النواب الأميركي، يوم الأربعاء، لصالح عزل الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، من منصبه، تساءل كثيرون حول جدوى هذه الخطوة السياسية على اعتبار أن ساكن البيت الأبيض لم تتبق له سوى أيام معدودة حتى يغادر رسميا بموجب الدستور.

وبعد توجيه اتهام إلى ترامب في مجلس النواب، تجري إحالة المساءلة إلى مجلس الشيوخ حتى يُحاكم الرئيس، ويتطلب العزل أن يوافق ثلثا الأعضاء، وهو نصابٌ يتطلب انشقاق عدد كبير من الجمهوريين.

واتُهم ترامب بالتحريض ضد حكومة الولايات المتحدة، عندما قام أنصاره في السادس من يناير الجاري باقتحام مبنى الكونغرس، لأجل عرقلة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الديمقراطي، جو بايدن.

ويحرص الديمقراطيون على عزل ترامب، لأن إدانته في الكونغرس، وخروجه معزولا من المنصب، ستقطعُ الطريق أمام شغله أي منصب فيدرالي كبير مستقبلا، بينما تتحدث بعض التقارير عن نية ترامب خوض انتخابات الرئاسة في 2024.

ويتساءل كثيرون حول سبب الإصرار على عزل ترامب لأنه سيصبح رئيسا سابقا، في غضون أيام قليلة، أي أنه سيغادر بموجب الدستور ليخلفه الديمقراطي جو بايدن.

وهنا، يطرحُ تساؤل دستوري آخر يبدو محيرا حول إمكانية المضي قدما في عزل رئيس سابق، أي الاستمرار في هذه الإجراءات التي بدأت الأربعاء، بعد العشرين من يناير الجاري.

ما يقوله الدستور

يرى أستاذ القانون في جامعة تكساس، ستيفان فلاديك، أن محاسبة ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض، ليست ممكنة فحسب من الناحية الدستورية بل واجبة وضرورية.

وبما أن مجلس الشيوخ لن يستأنف عمله إلا في التاسع عشر من يناير الجاري، أي أن محاكمة العزل لن تبدأ على الأرجح إلا في ظهر الأربعاء (20 يناير)، بعد تنصيب بايدن، فإن ترامب لن يجري عزله وهو يشغل صفة الرئيس الأميركي.

ويوضح البند الثاني من الدستور الأميركي، في قسمه الرابع، أن رئيس الولايات المتحدة ونائب الرئيس وكافة الضباط المدنيين، يُعزلون من المنصب ويدانون عند التورط في أمور مثل الخيانة والفساد والجرائم الأخرى وإساءة التصرف.

وعند الاعتماد، بشكل حصري، على هذا البند من الدستور الأميركي، فإن المستفاد هو أن إجراءات العزل تصبح غير قابلة للتطبيق عندما يكون المسؤول قد غادر المنصب.

لكن القسم الثالث من البند الأول في الدستور الأميركي يوضح أمرا مهما، بشأن صلاحيتي مجلس الشيوخ في إجراء محاكمة العزل، وهما الإزالة المنصب، إضافة إلى نزع الثقة وحرمان المسؤول المدان من أي تشريف أو منصب فيدرالي في الولايات المتحدة.

ويعد هذا البند بيت القصيد، لأنه يحدد بشكل واضح، صلاحيتي مجلس الشيوخ، ورسالته واضحة في أن إجراءات العزل لا تقتصر فقط على الإزالة من المنصب، وإنما الحسم بشأن الحق في تولي مناصب فيدرالية مستقبلا.

ويوضح الأكاديمي الأميركي، أن مجلس الشيوخ صوت ثماني مرات على إجراء العزل من المنصب، لكنه لم يصوت على نزع الثقة سوى ثلاث مرات فقط، وهذا يعني أن المسارين مختلفان.

وتبعا ذلك، فإنه من الممكن دستوريا أن يكون ثمة تصويت لنزع الثقة من ترامب عندما يصبحُ رئيسا سابقا، وهذه الخطوة في مجلس الشيوخ ستحرمه من شغل أي منصب فيدرالي مستقبلا.

وأوضح الأكاديمي أن قرار نزع الثقة هو الذي جعل الدستور يسمح بإجراءات العزل في حق ضباط سابقين، لأن الأمر لا يقتصر على الإزالة من المنصب.

ولو لم تكن الأمور على هذا النحو، لاستطاع أي مسؤول أميركي كبير أن يتفادى نزع الثقة منه، من خلال الاستقالة، قبل أن يقوم مجلس الشيوخ بعزله.

وقطع الدستور الأميركي، الطريق أمام التهرب من "نزع الثقة"، فأتاح إكمال إجراءات العزل حتى بعد مغادرة المنصب.

في سنة 1876، مثلا، استقال وزير الحرب، وقتئذ، وليام بنكناب، قبل دقائق قليلة من تصويت مجلس النواب على عزله، وتقرر، حينها، أن تستمر إجراءات العزل، لأن استقالته لا يمكن أن تتحدى سلطات الكونغرس.

ونجا وزير الحرب الأميركي من قرار الإدانة بفارق ضيق في مجلس الشيوخ، وهو لم يكن يشغل منصبه، لكن الدرس المستفاد من حالته، هو أن مجلس الشيوخ أكد صلاحيته في محاكمة ضباط سابقين، ولم يجر الالتفات إلى الاستقالة التي قدمها قبل عزله في مجلس النواب.

أخبار ذات صلة

النواب الأميركي يمرر لائحة الاتهام بهدف عزل ترامب

أما في حالة الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي استقال في أغسطس 1974، فقد استقال ساكن البيت الأبيض، وقتئذ، لأن مسألة عزله كانت محسومة، لكنه فضل أن يتحمل المسؤولية ولم يتنصل من أخطائه.

ولم يتحرك الكونغرس، وقتئذ، لأجل عزل نيكسون أو نزع الثقة منه، لأنه لم يكن ثمة أي مؤشر على عودته المحتملة لأجل شغل أي منصب فيدرالي في الولايات المتحدة، لكن المؤسسة التشريعية كانت قادرة بصلاحياتها على إجراء المحاكمة التي تفضي إلى مسارين بارزين هما العزل من المنصب ونزع الثقة.