منذ مقتل مدرس التاريخ، صامويل باتي، في الضاحية الباريسية كونفلان سانت أونورين، بدأت السلطات الفرنسية الاهتمام بشدة بمكافحة التطرف على شبكة الإنترنيت، خاصة شبكات التواصل الإجتماعي.
وفي هذا السياق أطلقت وزيرة المواطنة الفرنسية مشروع "وحدة الخطاب الجمهوري المضاد" لمراقبة ورصد خطابات التطرف في الفضاء الإلكتروني، بعد أن رصدت السلطات رسائل ومنشورات تحريضية ضد الضحية باتي، أياماً قليلةً قبل وفاته، تعتقد السلطات أنها كانت وراء مقتله ذبحاً على يد لاجئ شيشاني.
وكانت وزيرة المواطنة المفوضة مارلين شيابا قد صرحت في وقت سابق أن "الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة تنتشر بسرعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن جيلا كاملا من الشباب لم يعد يحتاج إلى الذهاب إلى مسجد للمتشددين أو أن يدخل السجن ليسلك طريق التطرف".
وأضافت الوزيرة خلال اجتماع لها مع مدراء مواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا بينهم فيسبوك وتويتر وغوغل وتيك توك وسناب تشات، لبحث مكافحة التطرف الإلكتروني:" الآن يأتيهم التطرف إلى منازلهم وغرفهم الشخصية ليتمثل لهم على شاشات هواتفهم وحواسيبهم، فهو يدخل من بوابة وسائل التواصل الاجتماعي".
ومنذ العام 2009 أطلقت فرنسا منصة "فاروس" لمكافحة الجرائم الإلكترونية من خلال ثلاثين ضابطا من الشرطة والدرك متخصصين في الجرائم الإلكترونية، يقومون بتحليل التقارير التي يرسلها مستخدمو الإنترنت يوميًا، حول جرائم التطرف والجرائم ضد القُصر، لكن المنصة تعرضت للكثير من النقد بعد حادثة مقتل المدرس باتي، بسبب المحتوى الذي كان يروج ضده دون رقابة.
وبحسب تقرير نشرته وزارة الداخلية الفرنسية نهاية أكتوبر الماضي، فإن هذه المنصة تتلقى أكثر من 20000 تقرير شهرياً، وقد نجحت في إزالة أكثر من 3000 محتوى إرهابي منذ بداية العام الحالي.
ماهي مهام الوحدة؟
الوزيرة الفرنسية قالت في مقابلة مع مجلة "نوفال أوبسرفاتور" إن وحدة الخطاب الجمهوري المضاد ستكون بمثابة الرد الإلكتروني على ما سمته "بالإسلاموية الإلكترونية"، مضيفة أن الحكومة تريد "خطاب دعاية مضادة".
وتتابع: "المهة الرئيسية هي التدخل في جميع المحادثات الموجودة على الشبكات الاجتماعية حول مواضيع الإسلاموية والتطرف، والرد والتوضيح. نعتقد أن من المهم حضور خطاب الجمهورية على وسائل التواصل الإجتماعي وعدم ترك هؤلاء المتطرفين وحدهم يبثون دعايتهم، يجب أن يكون الخطاب المضاد جاهزًا للدفاع عن قيمنا".
وأشارت الوزيرة شيابا إلى أن الوحدة ستعمل تحت سلطة اللجنة الوزارية الفرنسية للوقاية من الانحراف والتطرف، الهيئة التنفيذية المكلفة بالتنسيق بين الوزارات لمكافحة التطرف.
ويأتي ذلك بعد أن أسقط المجلس الدستوري الفرنسي في يونيو الماضي عدة أحكام في قانون مكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت على أساس أنه ينتهك الدستور.
ويلزم القانون، الذي أقره البرلمان الفرنسي في شهر مايو، منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث إزالة المحتوى الذي يحض على الكراهية أو الإرهاب في غضون 24 ساعة من نشره. ويقع المخالفون تحت طائلة العقوبة والغرامة التي تصل إلى 1.25 مليون يورو.
كما يضع مشروع القانون قيوداً جديدة على المواقع ومحركات البحث ويلزمها بالتعاون الفعال مع العدالة، وذلك تحت إشراف المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا.
وقال المجلس الدستوري الفرنسي "إن القانون لم يمنح المشغّلين الوقت الكافي لتحديد مكان المواد التي تزيلها أو الحصول على رأي القاضي في المحتوى".
وأضاف في بيان له "حرية التعبير والتواصل هي المنطلقات التأسيسية للديمقراطية وأحد ضمانات احترام الحقوق والحريات الأخرى"، مضيفا أن "القانون ينتهك حرية التعبير بطريقة ليست ضرورية أو متناسبة".
من جانبه، قال رامي التلغ، الباحث في العلوم السياسية بجامعة "باريس إست": "يبدو أن مشروع وحدة الخطاب الجمهوري المضاد لا يندرج ضمن العمل الأمني التقليدي لشرطة مكافحة الجرائم الإلكترونية وإنما ضمن مشروع دعاية مضاد، تعتقد إدارة الرئيس ماركون، أنه أصبح ضروريا في ظل سيطرت سرديات الإسلاميين على شبكات التواصل الإجتماعي، وخاصة خطاباتهم الموجهة لأبناء الجاليات العربية والمسلمة".
ويتابع التلغ: "أعتقد أن طرح قانون الانعزالية الإسلاموية وتصريحات الرئيس ماكرون بشأن الإسلام وغيرها قد أثارت جدلا واسعا وأربكت الوضع، كما أن الحكومة قادمة على المصادقة على فصول القانون وتحتاج لمنابر ذات شعبية توضح فيها مواقفها وتردّ فيها على الدعاية الإسلاموية المعادية، لذلك فإن إنشاء هذه الوحدة يمكن أن يكون سبيلاً لها كي تجابه الإسلام السياسي فكريا وبالحجاج الخطابي، بموزاة المجابهة الأمنية والقضائية، والتي يبدو أنها قادمة بشكل أكثر جذرية مما نرى اليوم".
ويناقش مجلس الوزراء الفرنسي في 9 ديسمبر القادم مشروع قانون واسع النطاق يسعى إلى منع التطرف، سماه الرئيس إيمانويل ماكرون بـ"الانعزالية الإسلامية".
ويجرم مشروع القانون، مشاركة المعلومات الشخصية للأفراد بطريقة تسمح للآخرين الذين يريدون إيذاءهم بتحديد مكانهم. إلى جانب إجراءات أخرى مثل القيود على التعليم في المنزل، وفرض عقوبات أشد على من يرهب المسؤولين الحكوميين لأسباب دينية.