جاء الحادث الإرهابي في مدينة نيس الفرنسية على يد إرهابي تونسي انعكاسا ونتاجا لحملة ممنهجة ضد باريس قادها اللوبي القطري التركي لأسباب سياسية واقتصادية، لكنها اتخذت غطاءا دينيا مستثمرة واقعة الرسوم المسيئة للنبي محمد.
والخميس قام التونسي إبراهيم العويساوي الذي يبلغ من العمر 21 عاما، بقتل 3 أشخاص في كنيسة بمدينة نيس، كما قطع رأس واحدة من بين الضحايا
وقبل هذا الحادث بأيام وتحديدا في منتصف أكتوبر الجاري، شهدت باريس حادث قطع رأس للمدرس، صامويل باتي، على يد رجل من أصل شيشاني قال إنه كان يريد معاقبة المدرس على عرض رسوما مسيئة للنبي محمد على التلاميذ.
والحادثان جاءا في أعقاب تصعيد سياسي قام به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، متهما نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالعداء للإسلام وصاحب هذا التصعيد السياسي من أردوغان ترويجا وتكثيفا إعلاميا عبر قناة الجزيرة القطرية.
وفي تصريح خاص لـ"سكاي نيوز عربية"، كشف الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، عمرو فاروق، أن دول معينة استغلت أزمة الرسوم المسيئة في فرنسا، لتحقيق مجموعة من المصالح السياسية الخاصة بها خلال المحاكمة التي تتم حاليا للعناصر المتهمة في تنفيذ عملية الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو في يناير 2015.
وأضاف فاروق، أن هناك 6 أسباب رئيسة وراء تجييش المسلمين ضد السلطات الفرنسية بعيدا عن قضية الرسوم المسيئة، من قبل التحالف التركي القطري الإخواني، باستخدام مختلف وسائل السوشيال ميديا والمواقع القنوات الفضائية، فضلا عن تحفيز وتحريض مختلف عناصر تيارات الإسلام السياسي ضد الدولة الفرنسية.
وأوضح فاروق، أن أول هذه الأسباب يتمثل في الإجراءات التي أقرتها السلطات الفرنسية مؤخرا ومجلس الشيوخ الفرنسي، والتي من شأنها الحد من النفوذ الإخواني في الداخل الفرنسي من خلال التضييق على مختلف المراكز والجمعيات العاملة في مجال نشر أفكار ومشروع جماعة الإخوان، ومراقبة مصادر الدعم والتمويل.
وأشار فاروق،إلى أن قطر وتركيا يستغلان المنظمات الإخوانية التابعة للتنظيم الدولي في الداخل الفرنسي بهدف بسط نفوذها وتعمل على أخونة المجتمع الفرنسي وتغيير هويته وفقا للكثير من المشاريع الفكرية التي وضعتها الجماعة وتم ضبطها وعرفت إعلاميا بـ"المشروع السري للإسلاميين لغزو الغرب".
وذكر فاروق، أن اللوبي التركي القطري الإخواني يسعى من خلال حملة المقاطعة التي ألبسوها الرداء الديني، إلى الضغط على ماكرون لوقف الإجراءات التي اتخذتها السلطات الفرنسية، فيما يخص محاصرة المال القطري وتجفيف منابع التطرف والإرهاب التي صنعت بأيدي الإخوان وأعوانهم على مدار عشرات السنوات، من خلال التوسع في تأسيس المؤسسات والمراكز الإسلامية العاملة في مجال الإغاثة وغيرها وتسعى لنشر الفكر القطبي من خلال استغلال الظروف المادية والإنسانية للمهاجرين العرب والمسلمين.
وأكد أن ثاني تلك الأسباب يمثل في الصراع القائم بين اللوبي التركي القطري، وبين الجانب الفرنسي فيما يخص الصراع لبسط النفوذ السياسي والإقتصادي في الداخل الإفريقي لاسيما منطقة الساحل والصحراء التي تتمتع فيها فرنسا بمساحة كبيرة منذ سنوات طويلة، وتعتبر بمثابة محطة وواجهة استثمارية وسياسية تابعة لها .
وقال فاروق، إن اللوبي القطري التركي يدخل في صراع مع الجانب الفرنسي، من دعم المليشيات المسلحة بالمال والسلاح والمتمثلة في 5 تنظيمات رئيسية أبرزها؛ حركة "التوحيد والجهاد"، وحركة "أنصار الدين" وأنصار الشريعة"، إلى جانب تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب"، و"جماعة أنصار الإسلام والمسلمين"، وذلك وفقا لتقرير المخابرات المركزية الأميركية لعام 2018.
وأكد الباحث أن ثالث هذه الأسباب دخول السلطات الفرنسية في مواجهة مباشرة مع تيار السلفية الفرنسية، الذي يعد بمثابة امتداد ظهير داعم ومباشر للسلفية الجهادية، من خلال عشرات المراكز والجمعيات والمؤسسات المتوطنة في الداخل الفرنسي، وتقوم بعمليات استقطاب وتجنيد الشباب وتحويلهم ذئاب منفردة، أو خلايا مسلحة كامنة، يمكن توظيفهم بسهولة فضلا عن نقل بعضهم لمناطق الصراع في ليبيا وسوريا اليمن وأفريقيا، واليمن، والتي يتم من خلالهم تكوين شبكات واسعة من العناصر المتطرفة التي تعمل على تفكيك المجتمع الفرنسي وتغيير هويته.
وأضاف فاروق، أن بين السلطات الفرنسية وتنظيم القاعدة أحد ممثلي السلفية الجهادية، يتجلى بوضوح في استهدافهم زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، أبو مصعب عبد الودود، المكنى بـ"عبد المالك دروكدال"، بشمال مالي في يونيو 2020، على يد القوات الفرنسية في منطقة الساحل والصحراء.
وبين فاروق، أن رابع هذه الأسباب يتمثل في دخول فرنسا كطرف داعم ومؤثر في أزمة الأوضاع الليبية ووقوفها بجانب المعسكر الداعم والمؤيد المشير خليفة حفتر للجيش الوطني الليبي المتنبي فكرة قيام الدولة الوطنية والحفاظ على ثوابتها في مقابل عناصر المرتزقة والميليشيات التابعة لحكومة الوفاق المدعومة من جماعة الإخوان واللوبي القطري التركي.
ونوه فاروق، إلى أن خامس تلك الأسباب يمثل في أزمة غاز شرق المتوسط نتيجة دعم الجانب الفرنسي كل من مصر وقبرص واليونان، في مسألة ترسيم الحدود البحرية بينهم، وتعزيز فرنسا انتشارها العسكري في شرق المتوسط،ووقفوها ضد التحركات والممارسات التركية، فضلا عن حرصها الشديد على الانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط الذي تقوده مصر لدعم تحالفات الطاقة الناشئة في تلك المنطقة.
وسادس الأسباب، وفقا للباحث، يتمحور حول محاولة إنقاذ الإقتصاد التركي من الانهيار في ظل حملات المقاطعة الشعبية للمنتجات التركية التي قادتها بعض دول الخليج العربي اعتراضا على سياسات أردوغان وتجاوزاته المستمرة ضد الكثير من الملفات المعنية بالشأن العربي، ومن ثم كان لابد من العمل على وقف تنامي تلك الحملات وعرقلة نتائجها التي أوشكت أن تدفع بالاقتصاد التركي إلى الإنهيار التام، وإنقاذ أردوغان من السقوط السياسي والشعبي خلال تلك المرحلة الحرجة التي تشهدها الدولة التركية تحت مزاعم الدولة العثمانية الجديدة أو تركيا الكبرى، التي تتخذ من مشروع دولة الخلافة منهجا ومنطلقا لها سياسيا ودينيا