سلطت الأزمة حالية بين باريس وأنقرة الضوء على الدور التركي والقطري في نشر التشدد داخل فرنسا، الأمر الممتد منذ سنوات، لكنه بات في مركز الاهتمام الدولي هذه الأيام.
وتصاعد التوتر بين فرنسا وتركيا منذ منتصف أكتوبر الجاري، بعد جريمة قطع رأس مدرس التاريخ والجغرافيا سامويل باتي (47 عاما) قرب المعهد الذي يدرس فيه، في منطقة هادئة في الضاحية الغربية بباريس
وكانت هذه الجريمة الإرهابية مختلفة عن غيرها من الجرائم التي كانت ترتكبها التنظيمات التقليدية مثل داعش التي تعبر الحدود وتنفذ الهجمات في الداخل الفرنسي، فالعملية الجديدة كانت بفعل تحريض ممنهج على التراب الفرنسي.
وقال المسؤول السابق في وزارة الداخلية الفرنسية المكلف بملف المسلمين، برنارد غودار، لـ"سكاي نيوز عربية" إن فرنسا تعرف الفارق بين الإسلام كديانة وبين الجماعات المتطرفة وأحزاب الإسلام السياسي الذي تقوده تركيا.
وأضاف غودار أن باريس سمحت بإقامة المساجد والمراكز الإسلامية منذ عقود، مشيرا إلى أن بلاده تعتزم إنشاء مدرسة للتعريف بالإسلام.
ولفت إلى أن تنظيم الإخوان، رغم إظهاره رغبة في الاندماج في المجتمع الفرنسي، لكن باريس لم تنتبه إلى التحرك الأيديولوجي لهذا التنظيم، الذي كوّن تنظيمات أكثر تطرفا مثل السلفية التي عانت منها الدولة الفرنسية.
وقال إن فرنسا لم تدرك خطورة هذه التنظيمات التي تريد الانفصال عن الدولة، وسمحت لها ببناء مؤسسات في الضواحي، مثل المدارس التي أفسدت الطلبة وهيئت البيئة للتطرف.
رسالة إلى قطر وتركيا
وقال الصحفي، مصطفى طوسة، المقيم في باريس في وقت سابق لـ "سكاي نيوز عربية" إن تركيا وقطر اللتين تحتضنان جمعيات متطرفة، أخذتا على عاتقهما نشر الخطاب المتشدد في فرنسا.
وأضاف أن الحكومة الفرنسية في سياق حملتها على التطرف في البلاد وجهت رسالة إلى الداخل والخارج، وخاصة تركيا وقطر اللتين تدعما هذه الجمعيات.
وبحسب أرقام منظمة "شبكة 1905"، التي تدافع عن قيم العلمانية الفرنسية وعن قانون العام 1905 الذي يقر علمانية الدولة، فإن جمعيات فرنسية ساهمت في حملات تمويل لفائدة مركز إسلامي مقرب من تيار الإخوان (المتحالف مع قطر وتركيا)، مع أنها تتلقى دعماً من المرصد الفرنسي للعلمانية.
ومرصد العلمانية هو لجنة استشارية رسمية، مسؤولة عن تقديم المشورة والمساعدة للحكومة فيما يتعلق بتعزيز مبدأ العلمانية، وتتألف من 23 عضوا بينهم برلمانيون من الأغلبية والمعارضة وكبار المسؤولين والشخصيات الرسمية، ومع أن المرصد مستقل في عمله إلا أنه يرتبط إدارياً بمكتب رئيس الوزراء.
مسجد "الأنوار"
واتهمت منظمة "شبكة 1905"، جمعية ''اتيك" التي تعمل في مجال الاندماج الإجتماعي، وجمعية "كو-اكزيست"، الناشطة في مجال الشباب والسلام والاندماج الإجتماعي، بالمشاركة في حملات لحشد التمويل لمسجد "الأنوار" في ضاحية ميتري موري، التابعة لمحافظة "السين والمارن" في الحوض الباريسي.
وقالت المنظمة إن هذه الجمعيات الشريكة لمرصد العلمانية، والتي تتلقى دعماً بمختلف الأشكال من المرصد، تساهم في الوقت نفسه في دعم المساجد والمراكز القريبة من التيار السلفي والإخواني، مما يطرح العديد من الإشكاليات حول عمل المرصد، تدفعنا للشعور بالفزع، فهذا المركز الجديد في ميتري موري، ليس مجرد مكان للعبادة والصلاة، بل يطمح لترسيخ فكر ومنهج جماعة الإخوان في المدينة."
وكشفت المنظمة الفرنسية عن أن مركز الأنوار، قد دأب وحتى منتصف مايو الماضي على نشر محاضرات ومقاطع لشيوخ تابعين لجماعة الإخوان على صفحته الرسمية، اتهمتهم "بالإرهاب ومعاداة السامية"، مشيرةً إلى أن أبرزهم "عضوا الاتحاد العالمي للعلماء في قطر، محمد الحسن ولد الددو ويوسف القرضاوي".
ولا يقتصر نشر التطرف التركي والقطري على فرنسا، فعلى سبيل المثال، فقد كشفت أكاديمية "ذي كونفرسيشن" إلى أن أردوغان بالتنسيق مع جماعة الإخوان وقطر على تحويل مهمة المساجد في أوروبا إلى الدعاية للعثمانية الجديدة، والإنفاق على الخلايا الداعشية الأوروبية.
التمويل التركي
ولفتت الأكاديمية إلى قلق الدول الأوروبية من دعم أنقرة للأئمة الأتراك، وتمويل المساجد والجمعيات الدينية التركية لأوكار نشر التطرف والإرهاب، وهو ما دفع بعض الدول الأوروبية لإغلاق عدد كبير من المساجد التي يديرها أتراك
وفي ألمانيا وحدها، يدير الأتراك ما يقرب من 2000 مسجد من أصل 3000 مسجد، ويتولى الاتحاد التركي للشؤون الدينية يدير ويمول 900 مسجد عثماني.
لكن هذه المساجد التي يديرها الأتراك تعدت ذلك على التورط في دعم تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما دفع بالمخابرات الألمانية إلى فتح تحقيق حول توظيف أنقرة لهذه المساجد.
وفي الولايات المتحدة، كشفت قناة "فوكس نيوز" الأميركية، عن مخاوف بشان مركز "ديانت"، وهو مسجد ومركز ديني في ولاية ميريلاند، خارج واشنطن العاصمة.
وتم بناء المركز بدعم قوي وتمويل من الرئاسة التركية للشؤون الدينية بمبلغ 110 مليون دولار عام 2016، ضمن خطة انتهجتها حكومة أردوغان على مدار 15 عاما لبناء المساجد والمراكز الدينية التابعة لها في جميع أنحاء العالم.
وبينما يقدم المركز نفسه على موقعه الإلكتروني بأنه يهدف إلى "تقديم الخدمات الدينية دون اعتبار للسياسة" ، فإن المحللين يرون غير ذلك.
وبحسب تصريحات سابقة لـ أحمد يايلا، الأستاذ المشارك في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون ومدرسة إدموند، فقد أجرت "ألمانيا وبلجيكا والنمسا وهولندا وسويسرا والنرويج والسويد تحقيقات حول الأئمة الأتراك، الذين عينتهم ديانت، بسبب التجسس لصالح المخابرات التركية ضد المواطنين الذين يعيشون في بلادهم، وتعتبرهم الحكومة معارضين لأردوغان".
وأعلن مسؤولون نمساويون في وقت سابق أنهم سيغلقون سبعة مساجد، ويزيلون ما يصل إلى 60 إماما تمولهم دول أجنبية، وذلك لمواجهة التطرف.