أعلنت الحكومة الفرنسية عن استعدادها لتقديم مشروع قانون، يهدف لمناهضة ما سمته "النزعات الانفصالية"، ويستهدف أساسا جماعات الإسلام السياسي (الإخوان والتنظيمات المنبثقة منها)، بعد أن تأخر ذلك بسبب الأزمة الصحية التي تشهدها البلاد.
وقالت مارلين شيابا، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمواطنة لدى وزارة الداخلية في تصريحات صحفية، إن القانون قيد الإعداد، وسيعرض على مجلس الوزراء بحلول الخريف، لبدء المناقشات البرلمانية حوله في بداية العام 2021.
ويبدو أن إدارة الرئيس ايمانويل ماكرون تتجه نحو حسم ملف مجموعات الإسلام السياسي الناشطة بقوة في الساحة الفرنسية من خلال سن قوانين جديدة لحماية ما تسميه "قيم الجمهورية".
حتى أن ماكرون قد أعاد هذا العام إحياء الاحتفال بذكرى إعلان الجمهورية من خلال حفل أقيم في مدفن البانتيون، الذي يضم رفات عظماء فرنسا.
وقال الإليزيه إن الاحتفال بهذه الذكرى أصبح واجبا في ظل وجود مجموعات دينية أصولية متطرفة ترفض العيش المشترك في مجتمع حقوق الإنسان وتدعو إلى تجزئة المجتمع.
مضمون القانون
وقالت وزيرة المواطنة الفرنسية إن النقاشات لم تستكمل بعد بشأن مضمون مشروع القانون الجديد، لأن عملية توفير إطار قانوني لمسألة حساسة تتعلق بالهويات أمر يحتاج الكثير من النقاش.
من جانبه، قال جان كاستيكس أثناء خطاب عرض فيه السياسة العامة للحكومة أمام الجمعية الوطنية، في منتصف يوليو الماضي، إن مشروع قانون مناهضة "الحركات الانفصالية" يهدف أساسا لمنع "مجموعات معيّنة من الانغلاق ضمن مظاهر عرقية أو دينية".
وأشار إلى أن "العلمانية هي من القيم الأساسية للجمهورية، ورأس حربة الاندماج المجتمعي. لا يمكن لأي ديانة، أو تيار فكري أو مجموعة معيّنة الاستيلاء على المساحات العامة والنيل من قوانين الجمهورية".
وبحسب اللجنة الوزارية الفرنسية للوقاية من الانحراف والتطرف، فإن هذا المشروع، وإن كان يستهدف الإسلام السياسي، فإنه سيشمل كافة الانحرافات الطائفية.
وتقول اللجنة إن "المستهدف ليس الإسلام باعتباره دين، بل الإسلام السياسي، وهو عقيدة سياسية تهدف إلى فرض السيطرة على المجتمع من خلال تقييد الحريات وتثبيت الشريعة فوق قوانين الجمهورية".
وترى مارلين شيابا، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمواطنة، أن القانون من شأنه أن يقوي وسائل الدولة لمحاربة الانفصالية بشكل أفضل دون المساس بقانون 1905 الذي يفصل بين الكنيسة والدولة ويقر العلمانية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد أعلن في فبراير الماضي عن توجه إدارته نحو سن قانون جديد لمواجهة من سماهم بأعداء الجمهورية.
وأشار إلى أن الهدف منه تحسين الرقابة على خطب المساجد التي قد لا تتوافق أحيانا مع قيم الجمهورية، والتوقف عن استقبال أئمة ترسلهم وتموّلهم دول أجنبية، معلنا في المقابل عن توجه لزيادة الأئمة الذين نشأوا في فرنسا.
ووفقاً لمجلة لوبوان، فإن القانون الجديد سيرفع من صلاحيات الخلايا الجهوية الخاصة بمكافحة الإسلام السياسي والانفصالية داخل المجتمع وسيزيد من سلطة المحافظين والولاة.
وتقول الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمواطنة، إن المشروع يعالج كافة المناطق الرمادية في القوانين الموجودة، والتي لا يمكن من خلالها معاقبة المخالفين لقيم الجمهورية.
وتضيف: "مثلاً إذا كان لديك شخص يقدم نفسه على أنه إمام ويدعو إلى كلام بغيض، فيمكنك الآن اتخاذ إجراءات قانونية ضده، ولكن لا يمكنك بالوسائل القانونية الحالية إغلاق المكان الذي استضافه، نريد أن نكون قادرين على إغلاق المؤسسات التي تستضيف من يدعو للكراهية".
وتابعت الوزيرة: "رغم الفراغ القانوني، فإن هناك الكثير من الأشياء التي تم القيام بها، حيث استطاعت السلطات خلال الثلاث سنوات الماضية من إغلاق قرابة 250 فضاء، بينها مدارس ومساجد، تبشر بأيديولوجية انفصالية وواجهت خلال ذلك مشاكل حقيقية تتعلق بالسلامة العامة ".
صراع تاريخي
ويرى هادي يحمد، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، بأن "معاناة فرنسية مع الطائفية الاسلاموية معاناة قديمة-جديدة تمتد إلى عشريات ماضية، ربما هي قصة الصراع بين العلمانية الفرنسية مع الإسلام السياسي الرافد والزاحف تحت جبة (حق الأقليات الدينية) وحق هذه الأقليات في إظهار معتقداتها وممارستها في الفضاء العام".
ويضيف يحمد في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية: "تمكن الإسلام السياسي فعلا من خلال أجندة الحريات ذاتها التي تحميها العلمانية من إحداث هذا الاختراق داخل العلمانية، لكنه اختراق نسبي ووقتي، لأن العلمانية استعملت كذلك أدواتها وفِي مقدمتها حماية المجتمع من الطوائف المغلقة والمتشددة منذ لجنة (ستازي) في عهد ساركوزي إلى قانون ماكرون الجديد، وقبلهما من قضية (تحجيب الفتيات) في المدارس في بداية الثمانينات. وتواصلت هذه المعركة بين الطائفية الإسلامية والعلمانية الفرنسية وهي معركة من المستبعد أن تحسم نهائيا طالما بقيت الجاليات المسلمة رهينة جمعيات تدار من مال وفكر جماعات الإسلام السياسي".
وتشهد فرنسا خلال المدة الأخيرة موجة رسمية وشعبية مناهضة للإسلام السياسي. فقد دأبت الصحف الفرنسية خلال الآونة الأخيرة على نشر تحقيقات تتعلق بمخاطر ما سمته "الانفصالية الإسلامية" و"تغلغل جماعات الإسلام السياسي، الإخوانية والسلفية في النسيج الاجتماعي وفي مراكز السلطة المحلية".
وكان مجلس الشيوخ الفرنسي قد كشف في تقرير له صدر في يوليو الماضي، عن أن "مؤيدي الإسلام السياسي يسعون إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا" من أجل "إنشاء الخلافة"، ويغذون في بعض المدن "نزعة انفصالية" خطيرة، من دون تقديم تفاصيل عن هذه الأعمال.
واقترح التقرير، الذي حررته عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي جاكلين أوستاش-برينيو، نحو 40 إجراء للحد من "التطرف"، من بينها منع التحريض والخطابات الانفصالية ومراقبة بعض المدارس والجمعيات، وتوعية المسؤولين المنتخبين ووسائل الإعلام، مبدية قلقها إزاء الحركات الإسلامية المتشددة التي تدعي أنها غير عنيفة، لا سيما السلفية منها والإخوان.