لا ينفك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الدخول في معارك، يقول محللون إنه "لا ناقة له فيها ولا جمل"، سوى محاولة تعزيز مكانته في الشارع الذي فقد شعبيته بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
فمن سوريا إلى العراق وليبيا إلى اليونان وقبرص، لم يتوقف الرئيس التركي عن إشعال الحرائق بغية كسب تأييد الشارع التركي، الذي تزداد نقمته يوما بعد يوما على أردوغان بسبب الوضع الداخلي المعيشي المتردي، ولا يبدو هذا الشارع مكترثا بحروب أردوغان الخارجية.
وبحسب نتائج استطلاع أجراه مركز أوراسيا لأبحاث الرأي العام، مطلع أغسطس الماضي، قال 48.6 بالمئة من الأتراك إنهم لن يصوتوا لصالح أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما اكتفى 38.9 بالمئة بتأييد الرئيس التركي.
وتشكل هذه النسب انخفاضا في شعبية أرودغان مقارنة مع ما كانت عليه في مايو الماضي، حين قال 46.9 بالمئة من الأتراك إنهم لن يصوتوا لأردوغان إذا ترشح لولاية ثانية، بينما قال 39.2 بالمئة أنهم سيصوتون.
لكن الأخطر من ذلك ما كشفت عنه صحيفة "دي فيلت" الألمانية، التي ذكرت أن الرئيس التركي سعى لافتعال حادث عسكري مع اليونان بهدف "تعزيز شعبيته"، إذ طلب من قادة الجيش إغراق سفينة يونانية في شرق المتوسط.
أردوغان واللعب على الخلافات
وأمام هذا التهور من أردوغان، من أجل الحفاظ على كرسي الرئاسة لفترة ثانية، تساءل محللون تحدثوا إلى سكاي نيوز عربية إن كان بالإمكان لجم الرئيس التركي وتجنيب المنطقة حروبا جديدة يسعى لإشعالها بكل السبل، وفي أكثر من مكان.
وقال الباحث السياسي رامي خليفة العلي إن "الرئيس التركي عنده قناعة بأن الاتحاد الأوروبي لديه سياسة خارجية ليست جادة، وقد فشلت هذه السياسية بالفعل في اختبارات عدة في السنوات الماضية".
وأشار إلى أن أردوغان في مواجهته الحالية مع اليونان في شرق المتوسط، يستند إلى أنه "في نهاية المطاف ستنقي أثينا شوكها بيدها، وبالتالي يستمر أردوغان في محاولة فرض سياسة الأمر الواقع على كافة الأطراف".
يضاف إلى ذلك، بحسب العلي، "عدم وجود موقف واضح ورسالة محددة من الإدارة الأميركية إلى الجانب التركي بخصوص التوتر بين أنقرة من جهة، واليونان وقبرص من جهة ثانية".
وقال إن "الأتراك ربما لا يستمعون كثيرا للأوروبيين، لكنهم يستمعون مطولا للجانب الأميركي. لا يبدو أن واشنطن تقوم بدور حقيقي يقنع الجانب اليوناني ويوجه رسالة حقيقية إلى الجانب التركي، لذلك تستمر تلك الممارسات من أنقرة".
أما عن حلف شمال الأطلسي، الذي يضم أميركا واليونان وتركيا، فوصفه العلي بأنه "ميت سياسيا"، مشرا إلى أن "الإدارة الأميركية همشت دور الناتو، وذهبت منفردة في عدة قضايا دولية، مما جعل الحلف من بدون أنياب لحل الصراعات التي تنشب حتى بين أعضائه، والتوتر بين أنقرة وأثينا خير دليل على ذلك".
وأكد العلي أن الخلاف، سواء الأوروبي الأوروبي، أو داخل الناتو نفسه، "يستغله الرئيس التركي، من أجل فرض الأمر الواقع على جميع الأطراف".
لكن من ناحية أخرى، تظهر تحركات أخرى أن الأوروبيين مستعدين لاتخاذ موقف حازم ضد أنقرة.
وكان مصدر في الحكومة الفرنسية، قد كشف الثلاثاء، أن اليونان تجري محادثات مع بلاده ودول أخرى بشأن شراء أسلحة من بينها طائرات عسكرية، لدعم قواتها المسلحة مع تصاعد التوتر حول موارد الطاقة في منطقة شرق البحر المتوسط.
وقال وزير المالية اليوناني، الثلاثاء، إن بلاده مستعد لإنفاق جزء من احتياطياته النقدية لشراء أسلحة، وغيرها من الوسائل التي ستساعده في زيادة "قوة الردع"، بعد أعوام من تقليص الإنفاق الدفاعي.
وكان الاتحاد الأوروبي قد حظر تركيا خلال الأيام الأخيرة من التصعيد ضد اليونان، ومواصلة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، مهددا بشكل مباشر بفرض عقوبات على أنقرة.
رسالة أميركية "بطعم" التحذير
وفي محاولة لردع تصرفات أردوغان في شرق المتوسط، لا سيما تجاه قبرص، رفعت واشنطن حظر توريد الأسلحة غير الفتاكة إلى قبرص وسط توتر بين نيقوسيا وأنقرة.
إلا أن هذه الخطوة، وإن أوقفت تهور أردوغان نحو الاندفاع إلى مزيد من التصعيد في شرق المتوسط، فإنها "تعد رسالة من واشنطن إلى أنقرة بعدم الذهاب بعيدا في استخدام القوة"، بحسب الباحث الأميركي في معهد هدسون مايكل بريجينت.
وقال بريجينت: "أعتقد أن هذه هي الطريقة الأميركية لاستعمال بعض النفوذ من أجل أن تقول لأنقرة، الحليف لواشنطن في الناتو، أن تعدل سلوكها ليكون أكثر طبيعية".
وأشار إلى أن رفع الحظر عن الأسلحة غير الفتاكة لقبرص يمكن أن تعطل السفن والطائرات على وجه التحديد، وهذا السلاحان هما ما تستخدمهما تركيا حاليا في شرق المتوسط.
وأكد بريجينت أن "واشنطن لا تريد التصعيد أكثر من ذلك في هذه المرحلة تحديدا، وتريد أن تضمن ألا تستخدم تركيا كامل قوتها العسكرية، ومن هنا جاءت رسالتها عبر السماح لقبرص باستخدام الأسلحة".
وختم قائلا: الكلمة العليا في النهاية تبقى لواشنطن، وعلى أنقرة أن تحدد خياراتها بشكل أكثر حذرا عند استخدام القوة، أما إذا استمر أردوغان في ممارساته فأعتقد أن العقوبات الاقتصادية الأميركية ستكون له بالمرصاد".