دفعت الظروف السياسية المعقدة التي عاشتها مالي زمرة من العسكريين إلى الأخذ بزمام المبادرة والانقلاب على السلطة الحاكمة التي دفع أداؤها الشارع إلى ميادين التظاهر والاعتصام، داعيا إلى التخلص منها بعد أشهر من الاحتقان الذي ضاعف معاناة البلاد.
ومنذ يونيو الماضي خرج عشرات آلاف المتظاهرين إلى شوارع العاصمة باماكو، مطالبين الرئيس إبراهيم كيتا بالاستقالة بسبب إخفاقاته في معالجة تدهور الوضع الأمني والفساد.
وأعلن العسكريون الذين استولوا على الحكم في مالي، بقيادة الكولونيل إسماعيل واغي، مساعد رئيس أركان سلاح الجو، تشكيل ما أطلقوا عليه اسم "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب"، ودعوا إلى "انتقال سياسي مدني" يؤدي إلى انتخابات عامة خلال "مهلة معقولة".
واصطفت المعارضة المالية والشارع مطالبين برحيل السلطة بعد اتهامها بالفساد وسوء الإدارة، وبعد أن عمت البطالة والمحسوبية والغلاء وسوء الإدارة حيث شهدت كل مناحي الحياة تراجعا كبيرا في شتى الأقاليم التي ضاعف وباء كورونا معاناتها، حسب معارضين.
وفي البلاد المقسمة بين جنوب حاكم وفاعل وشبه مستقر، وشمال مضطرب يكتسحه الإرهاب والتهريب، قاد الجنوبيون الحراك السياسي الذي أطاح بالسلطة، في حين بقي الشمال يئن تحت ضربات الإرهابيين والمهربين، بعد فرار معظم سكانه إلى دول الجوار وعلى رأسها موريتانيا والجزائر، حيث آلاف اللاجئين الطوارق.
وتعد مشكلة إقليم أزواد على رأس قائمة الأولويات التي فشلت الحكومات المالية المتعاقبة على حلها، بعد توقيع سلسلة اتفاقيات سلام برعاية جزائرية منذ التسعينيات، كان من شأنها أن تسفر عن تقاسم السلطة وتنمية الأقاليم الشمالية ذات الغالبية الطارقية والعربية، التي دعت للانفصال والاستقلال عن مالي.
وتقود فرنسا تحالف دول الساحل والصحراء منذ 2013 لمحاربة الإرهاب في الأقاليم الشمالية، وعززت في مارس الماضي تواجدها بإعلان عدد من حلفائها الأوروبيين والأفارقة، رسميا إنشاء قوة مهام جديدة أُطلق عليها اسم (تاكوبا) تتألف من قوات خاصة أوروبية ستقاتل، إلى جانب جيشي مالي والنيجر، الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل في غرب أفريقيا.
وفيما تنتظر الأقاليم الجنوبية في البلاد استقرار السلطة لدفع عجلة التنمية فيها، تزداد المخاوف في الشمال بعد سنوات من فشل المسار السياسي ما ضاعف معاناة السكان في إقليم أزواد الذي أصبح ساحة حرب بين الجيوش المتحالفة وبين فلول من الإرهابيين يقودهم تنظيمي داعش والقاعدة.
وحسب محللين، فإن الحل في مالي لن يكون سهلا إلا بإيجاد حكومات نزيهة تمثل جميع أطيف الشعب شمالا وجنوبا، وبتطبيق بنود السلام القاضية بتنمية الأقاليم الشمالية، ودفع عجلة التنمية المتراجعة في الجنوب، إضافة إلى محاربة الفساد الإداري والمالي الذين أفقدا مالي الاستفادة من المساعدات الدولية التي تتدفق عليها سنويا.