يتجدد الجدل في فرنسا بشأن المراكز التابعة لجمعيات ومؤسسات إخوانية، في أعقاب اتهامات وجهتها منظمة فرنسية تتعلق بتضارب مصالح بشأن تمويل بناء مركز إسلامي إخواني قيد البناء، في ضواحي العاصمة باريس.
وكشفت منظمة "شبكة 1905"، التي تدافع عن قيم العلمانية الفرنسية وعن قانون العام 1905 الذي يقر علمانية الدولة، عن وجود جمعيات فرنسية ساهمت في حملات تمويل لفائدة مركز إسلامي مقرب من تيار الإخوان، مع أنها تتلقى دعماً من المرصد الفرنسي للعلمانية.
ومرصد العلمانية هو لجنة استشارية رسمية، مسؤولة عن تقديم المشورة والمساعدة للحكومة فيما يتعلق بتعزيز مبدأ العلمانية، وتتألف من 23 عضوا بينهم برلمانيون من الأغلبية والمعارضة وكبار المسؤولين والشخصيات الرسمية، ومع أن المرصد مستقل في عمله إلا أنه يرتبط إدارياً بمكتب رئيس الوزراء.
واتهمت منظمة "شبكة 1905"، جمعية ''اتيك" التي تعمل في مجال الاندماج الإجتماعي، وجمعية "كو-اكزيست"، الناشطة في مجال الشباب والسلام والاندماج الإجتماعي، بالمشاركة في حملات لحشد التمويل لمسجد "الأنوار" في ضاحية ميتري موري، التابعة لمحافظة "السين والمارن" في الحوض الباريسي.
وقالت المنظمة في بيان لها:" إن هذه الجمعيات الشريكة لمرصد العلمانية، والتي تتلقى دعماً بمختلف الأشكال من المرصد، تساهم في الوقت نفسه في دعم المساجد والمراكز القريبة من التيار السلفي والإخواني، مما يطرح العديد من الإشكاليات حول عمل المرصد، تدفعنا للشعور بالفزع، فهذا المركز الجديد في ميتري موري، ليس مجرد مكان للعبادة والصلاة، بل يطمح لترسيخ فكر ومنهج جماعة الإخوان في المدينة."
وطالبت منظمة "شبكة 1905"، رئيس الوزراء جان كاستكس، ورئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، "بإدانة الترويج للأيديولوجيات دون تحفظ"، ومطالبة مرصد العلمانية "بوضع حد فوري للشراكات التي يبرمها مع هذه الجمعيات".
وكشفت المنظمة الفرنسية عن أن مركز الأنوار، قد دأب وحتى منتصف مايو الماضي على نشر محاضرات ومقاطع لشيوخ تابعين لجماعة الإخوان على صفحته الرسمية، اتهمتهم "بالإرهاب ومعاداة السامية"، مشيرةً إلى أن أبرزهم "عضوا الإتحاد العالمي للعلماء في قطر، محمد الحسن ولد الددو ويوسف القرضاوي".
وأضافت: " إلا أن المركز عاد وسحب هذه المنشورات من صفحته لاحقاً، و للتدليل على التوجهات الفكرية للمركز الجديد، فليس أدل على ذلك من إسم عميده، عمر دورمان"، المقرب من جماعة الإخوان.
مخاوف "انفصالية"
ودأبت الصحف الفرنسية خلال الأونة الأخيرة على نشر تحقيقات تتعلق بمخاطر ما أسمته "الإنفصالية الإسلاموية" و"تغلغل جماعات الإسلام السياسي، الإخوانية والسلفية في النسيج الإجتماعي وفي مراكز السلطة المحلية".
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "لوفيغارو"، يوم الإثنين، ملفاً حول مخاطر الجماعات الانفصالية الإسلامية في فرنسا.
من جانبها، كشفت صحيفة "لوجورنال دو ديمانش"، في تحقيق لها نشر بداية الشهر الحالي، عن تحول منطقة "أرجنتاي" في محافظة "فال دواز"، شمال باريس، إلى "معقل للشبكات الإسلامية بفضل دعم المسؤولين المنتخبين المحليين، بعد أن كانت أحد معاقل اليسار الفرنسي تاريخياً".
وكان رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس قد أعلن في منتصف يوليو الماضي، عن وجود مشروع لإصدار قانون ضد "الحركات الانفصالية" لمنع "مجموعات معيّنة من الانغلاق ضمن مظاهر عرقية أو دينية".
وقال كاستيكس إن "العلمانية هي من القيم الأساسية للجمهورية، ورأس حربة الاندماج المجتمعي. لا يمكن لأي ديانة، أو تيار فكري أو مجموعة معيّنة الاستيلاء على المساحات العامة والنيل من قوانين الجمهورية".
من جانبه، هاجم وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانين، في مقابلة نُشرت في 24 يوليو بجريدة لوفيغارو، ما سماه بالإسلام السياسي، معتبرا أن الشبكات الإخوانية لا تقل خطورة عن الشبكات السلفية المتطرفة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن في فبراير الماضي عن توجّه لتحسين الرقابة على خطب المساجد التي قد لا تتوافق أحيانا مع قيم الجمهورية، والتوقف عن استقبال أئمة ترسلهم وتموّلهم دول أجنبية، معلنا في المقابل عن توجّه لزيادة الأئمة الذين نشأوا في فرنسا.
ويأتي تجدد الجدل حول تمويل المراكز الإخوانية في فرنسا، بعد شهر واحد بعد أن فتحت السلطات المحلية تحقيقاً في شبهة "خيانة مؤتمن" تتعلق بتمويل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، وهو مؤسسة غير حكومية للتعليم العالي، قريبة من جماعة الإخوان، تقوم بتدريب الأئمة على وجه الخصوص.
يشار إلى أن تقريرا صادرا عن مجلس الشيوخ الفرنسي، بداية يوليو الماضي، قد كشف عن أن "مؤيدي الإسلام السياسي يسعون إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا" من أجل "إنشاء الخلافة"، ويغذون في بعض المدن "نزعة انفصالية" خطيرة، دون تقديم تفاصيل عن هذه الأعمال.
واقترح التقرير، الذي حررته عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي جاكلين أوستاش-برينيو، نحو 40 إجراءً للحد من "التطرف"، من بينها منع التحريض والخطابات الانفصالية ومراقبة بعض المدارس والجمعيات، وتوعية المسؤولين المنتخبين ووسائل الإعلام، مبدية قلقها إزاء الحركات الإسلامية المتشددة التي تدعي أنها غير عنيفة ولا سيما السلفية منها والإخوان.