تعيش تركيا منذ الإعلان عن شرائها لمنظومة "إس-400" الروسية في 2017، بين نارين، فهي بصفقتها هذه أغضبت الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي "الناتو" من جهة، كما أنها تخشى غضب "الدب الروسي" إن فكرت بإفشاء أسرار هذا السلاح المتطور أو إعادة بيعه لجهات لا تود موسكو أن تحصل عليها.
ووجدت تركيا نفسها مؤخرا في أزمة مصدرها المنظومة الصاروخية الروسية، حيث نسبت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء إلى ماريا فوروبيوفا، المتحدثة باسم الهيئة الاتحادية الروسية للتعاون العسكري التقني قولها، إنه لا يمكن لأنقرة إعادة تصدير منظومة الدفاع الصاروخي الروسية "إس-400" بدون إذن موسكو.
وفي الجانب الآخر، تقول الولايات المتحدة إن تركيا تعرّض نفسها لخطر الوقوع تحت طائلة عقوبات أميركية إذا نشرت المنظومة الروسية، وذلك لأنها تضع المقاتلات الأميركية في خطر، فضلا عن أنها تتعارض مع أنظمة الدفاع التابعة للناتو.
وأعاد اقتراح السيناتور الجمهوري جون ثيون، إجراء تعديل قانوني يمكّن الولايات المتحدة من شراء منظومة "إس-400" لإنهاء الخلاف بين واشنطن وأنقرة بشأن هذا السلاح، حسبما ذكر موقع "ديفينس نيوز"، الجدل حول "العبء" الذي تمثله المنظومة الروسية على تركيا، وصعوبة موقفها أمام العملاقين الروسي والأميركي.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، اعتبر مدير تحرير صحيفة "المصري اليوم" عمر حسانين، أن تركيا لن تمانع من الإقدام على بيع "إس-400" لواشنطن لكسب ودها، والحصول على منافع مقابل ذلك كغض طرفها عن تدخلاتها غير القانونية في ملفات كسوريا وليبيا، وقضية الأكراد.
وبيّن حسانين أن تركيا لن تجرؤ على الإقدام على مثل هذه الخطوة لأنها ستواجه الغضب الروسي، رغم احتمال تقديم أميركا لإغراءات مالية لها قد تسيل لعاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي جعل بلاده تعيش في أزمة اقتصادية خانقة بفعل استراتيجياته الفاشلة.
وأضاف قائلا: "تتضمن عقود التسليح التي تتميز بالسرية في معظم الأحيان على بنود تحظر إعادة بيع الأسلحة وخصوصا المتطورة منها، كما أن رغبة موسكو بالتفرد بهذه المنظومة الذكية المتطورة سيحبط أي تحرك تركي في هذا المجال".
من جانبه أكد الخبير في الشؤون التركية، خورشيد دلي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن التسريبات التي رافقت توقيع الاتفاق على صفقة "إس-400" تضمنت الإشارة إلى قيود تمنع أنقرة من إعادة بيعها لأي طرف آخر، حتى وإن كانت الاستفادة تقتصر على جانب المعلومات الخاصة بتقنيات هذا السلاح.
وأشار خورشيد إلى أن الموقف التركي حرج للغاية لأن أنقرة مقيدة قانونيا بشروط روسية لا يمكن تخطيها، وفي المقابل تصر أميركا والناتو على الحيلولة دون تشغيل تركيا للمنظومة.
وأوضح الخبير في الشؤون التركية أن خشية أميركا من المنظومة الروسية نابع من كون تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، كما أنها تمتلك قواعد تضم أسلحة أميركية متطورة على الأراضي التركية، واستخدام السلاح قد يمكّن الروس من كشف معلومات على درجة كبيرة من الأهمية.
وتوقع خورشيد أن يتطور ملف منظومة "إس-400" على نحو متسارع في الأيام القادمة، وقد يمثل سببا لقطيعة بين أنقرة والناتو، ومبررا لإخراجها من الحلف، أو سيتوجب على تركيا التضحية بالإبقاء على السلاح دون تشغيل تجنبا لتلك العواقب.
وسلط أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والجامعة الأميركية الدكتور طارق فهمي، الضوء فيما يتعلق بمنظومة "إس-400"، الضوء على مسألة خشية روسيا من توظيف تركيا لسلاحها في مناطق لموسكو مصالح فيها.
وقال فهمي في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية" إن روسيا تخشى أن تسخّر أميركا أجهزة الاستخباراتية للتعرف على التكنولوجيا المدمجة في المنظومة الدفاعية، هذا إلى جانب خشيتها من "مغامرة تركية" تقود لإقحام السلاح بمناطق استراتيجية بالنسبة لروسيا كالمتوسط وسوريا مثلا.
واسترسل فهمي قائلا: "بمقدور روسيا وفق العقود الخاصة بمثل هذه الصفقات أن تراقب السلاح حتى بعد بيعه، بالإضافة إلى تفاصيل نشره، وبالتالي وقف استعماله في أماكن لا تتفق ومصالحها".
انقسام في واشنطن
وتثير "إس-400" انقساما في أميركا التي حذرت تركيا مرارا من المضي قدما في تشغيل المنظومة في حال كانت راغبة في الحصول على منظومة "باتريوت" الأميركية.
ويدفع الكونغرس الأميركي باتجاه فرض عقوبات على تركيا، بسبب المنظومة، لكن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يرفض هذا المسعى، ويقول إنه سيؤدي إلى مزيد من التقارب بين أنقرة وموسكو.
وفي يونيو الماضي، بدا ترامب وكأنه يلتمس الأعذار لإقدام تركيا على شراء منظومة الدفاع الروسية، قائلا إن الأتراك ما كان لهم أن يلجؤوا إلى روسيا، لو أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لم ترفض بيع بطاريات "باتريوت".
وامتنع ترامب حتى الآن عن استخدام قانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة المعروف بـ"كاتسا" وهو تشريع أميركي يتيح معاقبة من يتعامل مع أعداء واشنطن.
وفي المقابل، وافقت لجنة في مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون، مؤخرا، على قرار قد يضيّق الخناق على تركيا، من خلال تجميد أصول أنقرة في الولايات المتحدة، فضلا عن فرض قيود على التأشيرات والقروض.
وكانت الولايات المتحدة قد لجأت إلى سلاح العقوبات ضد أنقرة، حين قامت تركيا باعتقال القس الأميركي، أندرو برونسون، إثر اتهامات مرتبطة بالإرهاب، واضطرت تركيا إلى إطلاق سراحه في نهاية المطاف، لأجل تفادي التبعات، لاسيما أن إجراءات واشنطن ألحقت خسائر فادحة بالعملة المحلية الليرة.