لم يتردد ضابط تركي رفيع في الاستجابة لنداء من أجل حماية مقر عسكري في العاصمة أنقرة، عقب ليلة الانقلاب الفاشل في تركيا، صيف عام 2016.

لكن النداء الذي وصل إلى العقيد في القوات الخاصة التركية مراد كوركماز (45 عاما)، لم يكن سوى فخ نصبته حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، وانتهى بسجن الضابط وإخضاعه لجولات تعذيب رهيبة، حسب موقع "نوردك مونيتورز" السويدي المتخصص في الشأن التركي.

وتحمل قصة كوركماز سمات مشابهة لقصص كثيرة تعرض فيها ضباط كبار في الجيش التركي لانتهاكات مروعة مارستها الشرطة على نطاق واسع بعد ليلة الانقلاب الفاشل، مثل التعذيب والإخفاء القسري وغيرهما.

ولم يشفع سجل تاريخ الرجل ولا شهاداته أمام حكومة أردوغان، إذ إنه حاصل على شهادة الدكتوراه، كما رشحه قادته لشغل منصب أمني رفيع في الأمم المتحدة بسبب كفاءته التي شملت تنفيذ عمليات داخل تركيا وخارجها، وكان من المفترض أن يشغل منصب الملحق العسكري في مقدونيا بين عامي 2017 و2018.

وقدم العقيد كوركماز عريضة احتجاج إلى المحكمة الدستورية في تركيا، يوضح فيها تعرضه للتعذيب الوحشي وسوء المعاملة.

فخ أنقرة

وفي عريضته، قال الضابط التركي الذي كان يتولى قيادة الكتيبة رقم 26 في القوات الخاصة، إنه تم الاتصال به من أجل تأمين مقر هيئة الأركان العامة في العاصمة ضد هجوم إرهابي، في اليوم التالي لمحاولة الانقلاب.

ولفت إلى أن تكليفه بهذه المهمة جاء بعد معلومات نقلتها الاستخبارات التركية، وبعد أن اتخذ هو والجنود الذين بأمرته مواقعهم، أدركوا أن الأمر كان "فخا"، إذ داهمت الشرطة المكان واستسلم هو ومن معه وسلموا الأسلحة التي كانت بحوزتهم.

ويقول موقع "نوردك مونيتورز" إن الادعاء الكاذب باحتمال مهاجمة مقر هيئة الأركان لم يكن سوى حيلة لترسيخ نفوذ أردوغان في تركيا، عبر غرس الخوف في قلوب المعارضين والقضاء على أي قوى محتملة داخل الجيش تعارض نهجه الاستبدادي.

أخبار ذات صلة

طيار تركي متهم بالضلوع في الانقلاب.. أين كان وقتها؟
ضابط تركي يروي تفاصيل تعذيب مروعة في السجون

رحلة العذاب

ويروي كوركماز عن تجربته المريرة: "تقييد يديّ من قبل وحدة مكافحة الإرهاب بشرطة أنقرة تحت وابل من الإهانات والشتائم".

ونقل هو ورجاله عبر حافلة طافت بشوارع المدينة، ووضع على جانب النافذة التي كانت بلا حماية، مما عرضه لهجمات لفظية وبدنية من قبل حشود غضابة في أنقرة.

وتحركت الحافلة، بحسب ما يروي، ببطء حتى تزيد من عذاب الموجودين بداخلها، إذ لم تتوقف الحشود المحيطة بها عن قذفها بكل ما تيسر لها من حجارة وأشياء أخرى حطمت زجاج النوافذ الذي سقط على الضباط والجنود بداخلها حتى سالت دمائهم، وعند نقطة معينة تدخلت الشرطة لوقف هذه الهجمات.

وبعد أن وصلوا مركز احتجاز، بدأت وصلة جديدة من ضرب كوركماز ورجاله، الذين كانوا مكبلي الأيدي من الخلف، ورؤوسهم مغطاة بأكياس تسيل منها الدماء.

لم يراعوا حالته

ويروي كوركماز: "اصطف عناصر الشرطة على جانبي طريق وانهالوا عليّ بالركل واللكم والضرب، ومنها ضربة على الوجه حطمت أسناني"، وفي النهاية فقد الضابط وعيه ولم يستفق سوى في مستشفى عسكري، فيما دخلت شرطة مكافحة الإرهاب الغرفة بعد أن علمت أن كوركماز استعاد وعيه.

ورغم مناشدة الأطباء بضرورة بقاء الضابط في المستشفى حتى تتحسن صحته، فإن شرطة مكافحة الإرهاب أصرت على إخراجه منه، وزج به في مرفق احتجاز تابع للشرطة في أنقرة، وفي وقت لاحق تبين أن السلطات تلاعبت بسجلات المستشفى لإخفاء سبب إصابته، كما قال في عريضه الاحتجاج.

وفي مركز الشرطة، ذاق كوركماز صنوفا من التعذيب الرهيب، بحسب روايته، حيث مكث 4 أيام في زنزانة لم تتوقف خلالها الاعتداءات الجسدية واللفظية، ولم يعط سوى كسرة خبزة وقطعة من الجبن وزجاجة ماء صغيرة.

وكان الضابط يشاهد في مركز الاحتجاز الدماء تسيل على الجدران حتى تسقط في الممرات، فيما كانت ملابسه العسكرية مغطاة بالدم.

ومن جراء التعذيب الذي تعرضه له أصيب في الفك والأذن، وعندما فحصه طبيب كان ذلك بحضور شرطيين، أمراه بأن يكون التقرير خاليا من الإشارة لتعرضه للتعذيب. 

وبعد خروجه من السجن في عام 2018، قدم شكوى رسمية بشأن التعذيب الذي تعرض له لدى مكتب المدعي العام في أنقرة، وليس من الواضح ماذا حصل لهذه الشكوى، لكن موقع "نوردك مونيتورز" أكد أن الفرص ضئيلة للتحقيق في مزاعم التعذيب.

ويبدو أن هذا الأمر الذي دفعه مجددا لتقديم شكوى لجهة قضائية أعلى في تركيا.