وجّه سكان الصحراء الكبرى "الطوارق" نداء عاجلا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأربعاء، للتدخل لدى دول الجوار لفتح الحدود المغلقة إثر الإجراءات المتخذة على خلفية وباء كورونا "كوفيد 19"، مما أدى إلى قطع شرايين الغذاء بالمنطقة.
وأعلنت دول في المنطقة على رأسها الجزائر، التي تعتبر سلة غذاء أساسية يعتمد عليها سكان مناطق الشمال في كل من مالي والنيجر، إغلاق حدودها، مما حد من تدفق البضائع إلى هذه الدول وخلق حالة من الذعر والاستياء في منطقة مضطربة أصلا وشحيحة الموارد.
وطالب نداء صادر عن جمعيات المجتمع المدني في المنطقة، تلقت "سكاي نيوز عربية" نسخة منه، الدول المطلة عل منطقة الساحل بفك ما وصف بـ"الحصار"، والإسراع في تسهيل إجراءات تنقل البضائع، لا سيما المواد الأساسية.
وأضاف البيان: "الأوضاع المعيشية لسكان هذه المناطق ينذر بوضع مأساوي مع ارتفاع الأسعار نتيجة صعوبة الإجراءات للتجار في تلك الدول"، مشيرا إلى "حصار متعمد لهذه الشعوب التي لا حول لها ولا قوة".
وتلقي أزمة كورونا بظلالها على المنطقة، وسط اضطرابات مسلحة ومعاناة لسكان يخيم عليهم شبح الإرهاب والجريمة المنظمة منذ أكثر من عقد، بعد أن اتخذتها جماعات إرهابية على رأسها داعش والقاعدة ملاذا لممارسة شتى الأعمال الإرهابية، حيث لا تزال جيوش المنطقة بقيادة فرنسا وبدعم من الأمم المتحدة والولايات المتحدة تحارب الإرهاب على طول شريط منطقة الساحل.
وفي اجتماع طارئ مساء الأربعاء في مدينة كيدال شمالي مالي، تحدث عبر الهاتف ناشطون لـ"سكاي نيوز عربية" عن شبح أزمة كورونا وتبعاتها على سكان المنطقة.
وقال الناشط سيدي أغ محمد: "الوضع شديد الاضطراب. اجتمعنا مع التجار وطالبناهم ببذل جهود للحفاظ على أسعار البضائع المتاحة. لكنهم اشتكوا شح البضائع وتوقف منافذ الاستيراد وعدم تفاعل الحكومة المركزية مع الأزمة في المناطق الصحراوية التي تشمل تينبكتو وغاوا وكيدال ومنكا".
وأضاف: "وجهنا نداء إلى الأمم المتحدة وإلى الأصدقاء في العالم بعد تركنا والتخلي عنا في هذه الأزمة وسط الصحراء. الوضع شديد الخطورة ولا بد من تحرك لتدارك الموقف".
وأوضحت صور فوتوغرافية خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، قلة النشاط التجاري وشح البضائع في سوق مدينة كيدال، الذي كان محطة رئيسية لشتى الواردات، خاصة المواد الغذائية من الجارة الجزائر.
كورونا والإرهاب
وقبل كورونا سعت جماعات إرهابية على رأسها داعش والقاعدة للسيطرة على خطوط الإمداد في المنطقة، وحاولت اتخاذها ملاذا لممارسة تجارة السلاح والمخدرات وحتى البشر، فيما تسعى قيادات الطوارق المعترف بها لإقناع الدول بعدم خلط الأوراق واتخاذ محاربة الإرهاب ذريعة لمحاصرتهم.
وأصدرت "تنسيقية الحركات الأزوادية" المعنية بالدفاع عن حقوق الطوارق السياسية والاجتماعية، بيانا عبرت فيه عن قلقها من التطورات الأخيرة في العالم، وانتشار وباء "كوفيد 19" في الدول المجاورة، الجزائر وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو.
ودعا البيان دول الساحل أن تضع في اعتبارها التنقل الكبير للسكان عبر الحدود والانتقال السريع للمرض، بالنظر إلى غياب وسائل الكشف المبكر، ناهيك عن ضعف الرعاية الصحية، مع الأخذ في الاعتبار أن الحجر الصحي أو البقاء في البيوت يبقى أفضل وسيلة للوقاية حتى يثبت خلاف ذلك.
قيادات الطوارق أعلنت أنها اتخذت كل الإجراءات الوقائية المتاحة، وسط انعدام أي إمكانيات لمواجهة الوباء الذي لم تعلن عن رصد أي حالة له بعد، وعلى رأسها محاولة السيطرة على حركة المسافرين بين المناطق الصحراية وتوعية السكان، بانتظار دعم خارجي لمواجهة تبعات الوباء.
شهر عسل للتطرف
أزمة كورونا وضعت الطوارق بين المطرقة والسندان، حسب آراء نشطاء، فبعد محاولات وسعي دؤوب لمطاردة واستئصال نشاط عدد من التنظيمات التي تتقدمها داعش والقاعدة، حول كورونا الأنظار إليه، فيما يتوقع المراقبون "شهر عسل" للإرهابيين يمكنهم خلاله استجماع أنفاسهم مجددا لمواصلة مخططاتهم الرامية إلى تأسيس إمارة جديدة في الصحراء، بعد الهزيمة الساحقة لداعش على وجه الخصوص في العراق وسوريا.
وقبيل مقتل رأس داعش أبوبكر البغدادي، كان التنظيم قد دعا أتباعه إلى التوجه لمنطقة الساحل عبر البوابة الليبية، حيث الإمكانيات الاستراتيجية متاحة بفضل نفوذ أفرع التنظيمات المتطرفة عبر حكومة الوفاق، التي يسيطر عليها تنظيم الإخوان.
ومنذ هذا الوقت، انطلقت من ليبيا موجات تلو الأخرى إلى منطقة الساحل لتعزيز وجود التنظيم الذي لم يصدر بيانات كثيرة، وأصبحت تحركاته هادئة بانتظار اللحظة التي يستجمع فيها قواه لإعلان كيانه، وهي الجهود التي أحبطتها الحرب على الإرهاب التي يخوضها الحلفاء جنبا إلى جنب مع سكان المنطقة، بعد توقيع اتفاقيات محاربة الإرهاب من قبل أطراف الصراع شمالي مالي.
وحسب مراقبين، فإن أزمة كورونا إن لم يفطن لها العالم في المنطقة فستكون فرصة ذهبية حال توقف الحرب على هذه التنظيمات، ما سيمكنها من استجماع عقدها المنفرط وإعادة تأهيل نفسها وتوسيع انتشارها وتعزيز نفوذها في منطقة شحيحة الموارد، حيث يسيطر المتطرفون على طرق التهريب.
وكان تنظيم القاعدة قد عزز وجوده في العقد الماضي في المناطق الصحراية بسبب إنفاقه ملايين الدولارات على بعض سكان الصحراء، لكسب ولائهم وصمتهم بسبب حاجتهم، بعد أن جنى ثروات طائلة بسبب الفدى التي كان يتلقاها من احتجاز الرهائن.
وقال ناشط فضل عدم ذكر اسمه: "التجربة قابلة للتكرار هذه الأيام. الحصار المحكم علينا يمكن للإرهابيين استغلاله بأبشع الصور. هم يسيطرون على طرق ومنافذ التهريب ويمكنهم الآن بعد توقف التجارة وإغلاق الحدود إعادة الكّرّة. يمكنهم السيطرة على الموارد والطعام والشراب. إنهم تهديد حقيقي وكورونا فرصة ذهبية لهم".