تقدم إسرائيل نفسها بوصفها دولة متقدمة في المجال العلمي والطبي خصوصا، ووصل الأمر قبل أسابيع إلى الحديث عن علاج وشيك لفيروس كورونا المستجد.
غير أن الصورة انقلبت مؤخرا رأسا على عقب، حيث تدهورت الأوضاع كثيرا ووصلت الإصابات إلى الآلاف، في الأزمة التي كشفت أيضا تغول السلطات الأمنية في إدارة شؤون البلد.
وبحسب آخر الإحصاءات التي نشرتها وزارة الصحة الإسرائيلية، الثلاثاء، فقد ارتفع عدد الإصابات في إسرائيل إلى 4831، والوفيات إلى 18.
وكانت إسرائيل سجلت أول إصابة بفيروس كورونا في 21 فبراير الماضي، أي قبل 40 يوما، بمعنى أنها تسجل ما معدله 120 إصابة يوميا وهو رقم مرتفع نسبيا.
"المصل الإسرائيلي"
وفي مطلع مارس الجاري، قالت الحكومة إن هناك 50 عالما لديها في المعهد البيولوجي يعكفون على تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، وخرجت الصحف العبرية بعناوين أن العلاج سيتوفر خلال أسابيع.
وفي 18 مارس، ذكرت صحيفة "هاآرتس"، أن هؤلاء العلماء يقتربون من تطوير اللقاح بعدما تم تحقيق "اختراق" في فهم خصائص الفيروس.
لكن الصحيفة استدركت أن الأمر يحتاج إلى سلسلة اختبارات وتجارب، الأمر الذي قد يمتد لأشهر.
وليست إسرائيل وحدها التي تطور عقارا ضد كورونا، فهناك أكثر من 50 دواء يجري تطويره حول العالم، وتتسابق الدول والشركات على إعلان الاختبارات.
لكن منظمة الصحة العالمية قالت إن الأمر يحتاج إلى عام على أقل تقدير.
أجهزة الأمن وكورونا
وظهرت بنية الدولة الأمنية في الأزمة، حيث ظهرت أسماء أجهزة الاستخبارات التي عادة ما تعمل في الظل.
وقالت صحيفة "جيروسالم بوست" الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، الاثنين، إن جهاز الاستخبارات الخارجية "الموساد" حصل على 10 ملايين قناع طبي قبل أيام.
وأضافت أنه إلى جانب الأقنعة، حصل الموساد على عشرات أجهزة التنفس الاصطناعي، وآلاف وحدات الاختبار الخاصة بفحوص كورونا.
وكانت تقارير إعلامية سابقة تحدث عن جلب الجهاز الاستخباري معدات من دول لا تقيم صلات دبلوماسية مع إسرائيل.
وأصدر رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتانياهو بيانا يؤكد فيه ضمنيا ما جرى، مشيرا إلى أن إسرائيل تسخر كل أجهزتها، بما في ذلك الموساد، لمواجهة الفيروس، بحسب صحيفة "غارديان" البريطانية.
وداخليا، تولى جهاز الأمن العام "الشاباك" التجسس على آلاف الإسرائيليين من دون الحصول على إذن مسبق، والتنصت على مكالماتهم، لتتبع فيروس كورونا.
ويعمل الجهاز على ملاحقة الذين كانوا على اتصال بمصابين بالفيروس، أو أولئك الخاضعين للحجر الصحي.
ولاقى هذا الأمر انتقادات من قبل وسائل الإعلام، وكتبت صحيفة "هاآرتس" إن إسرائيل بهذا الأسلوب "تتصرف مثل الصين وليس مثل الدول الديمقراطية".
وجاء تحرك "الشاباك" بعد أن وافقت الحكومة الإسرائيلية على جمع بيانات المستخدمين، مثل موقع صاحب الهاتف وغيرها من المعلومات الشخصية التي تساهم في تتبع المصابين ومخالطيهم.
"الوزير غير المناسب"
ورغم هذه الجهود فإن الإصابات لا تتوقف بل تتزايد، فما الأسباب؟
يقول الشارع في إسرائيل إن هناك مشكلة في وزارة الصحة، إذ إن الوزير يعقوب ليتسمان حاخام غير متخصص في الطب، وكذلك المدير العام للوزارة موشيه طوف.
ولا يتوقف ليتسمان عن إثارة الجدل، إذ دعا إلى إعفاء الكنس اليهودية من الحظر المفروض على التجمعات العامة، الأمر الذي يعني فتح الباب أمام انتشار الفيروس.
وبعد ذلك، قال إنه "ينبغي ممارسة الصلاة على أمل أن يأتي المسيح المخلص وينفقذ الإسرائيليين من الكورونا"، الأمر الذي أثار موجة سخرية داخل الدولة، وقال صحفيون إن الوزير غير مناسب لمواجهة مثل هذه الأزمة.
كما دعا أطباء في الوزارة إلى استبدال طوف بآخر متخصص في الطب، قائلين إن كثيرا من القرارات المتخذة غير واقعية، فيما الحيوية منها يجري تأجيلها.
وتزامن ذلك، مع تعليمات أصدرتها وزارة الصحة لعدم إعطاء نتائج فحوص الكورونا إلى المرضى، لعدة أيام، بعد الاشتباه بإرسال نتائج خاطئة إلى عدد من المرضى.
بؤرة الفيروس
ويشكل اليهود المتشددون دينيا أو من يعرف بـ"الحريديم" 12 بالمئة من مجمل سكان إسرائيل، إلا أنهم يمثلون ما بين 40 و60 بالمئة من إجمالي الإصابات فيروس كورونا، بحسب "نيويورك تايمز".
وتظهر مقاطع فيديو وصور، تجمعات كبيرة لهذا التيار، في الصلوات الجماعية والأعراس والجنائز، الأمر الذي يناقض كل الدعوات إلى التباعد الاجتماعي.
وتتركز الإصابات في إسرائيل بمدينة بني براك شمالي تل أبيب، التي باتت بؤرة الفيروس.
وتعد بني براك المركز الديني اليهودي الأكبر في العالم، حيث إن معظم سكانها ينتمون إلى التيارات الدينية اليهودية المتزمتة جدا، على ما يقول المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية.
وتقول صحيفة "جيروسالم بوست" إن العديد من المدارس الدينية ظلت مفتوحة، وكذلك المعابد والاحتفالات العامة، ولم تتجاوب بعض التيارات الدينية مع تعليمات الحكومة إلا مؤخرا، بعد اكتشاف تفشي الفيروس بين المتدينين.
وتضيف الصحيفة أن المجتمع المتشدد في إسرائيل يعتبر الحاخامات القادة الحقيقيين له، وليس السلطات السلطات العلمانية أو السياسيين.
المصالح السياسية والاقتصادية
وبالحديث عن السياسيين، فقد رفض نتانياهو، الذي دخل في حجر صحي بعد الإعلان عن إصابة مستشارة له، إغلاق أحياء المتدينين رغم انتشار فيروس كورونا، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى ردة فعل عنيفة تطيح حظوظه في التحالف مع ممثلي هذه الأحياء في الأحزاب السياسية الدينية، وبالتالي المحافظة على منصبه، وفق "هاآرتس".
وثمة خلاف أيضا داخل الحكومة الإسرائيلية، فوزارة الصحة توصي بفرض إغلاق تام يشمل المنشآت الاقتصادية، الأمر الذي ترفضه جهات أخرى داخل الحكومة والقطاع الخاص خوفا من تكبد الخسائر الاقتصادية، رغم أن الأمر يتيح مزيدا من الاختلاط.
ويدعو الفريق الثاني إلى استمرار الأنشطة الاقتصادية وتفادي الإغلاق التام، مع تشديد الإجراءات الاحترازية.
وبالفعل تعيش إسرائيل تحت إغلاق جزئي منذ نحو أسبوع، لكنها قد تدخل في إغلاق تام في حال لم يتوقف تفشي الفيروس، كما قال نتانياهو قبل أيام.