حزبان جديدان يخرجان إلى النور في تركيا، بعدما انشق اثنان من أهم أعمدة حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، الأمر الذي أثار توقعات بتسرب العديد من الأصوات والموالين من خزان الحزب الحاكم، بحسب مراقبين.
ومن المقرر أن يطلق وزير الاقتصاد السابق، علي باباجان، حزبه السياسي الجديد الذي طال انتظاره يوم الأربعاء المقبل.
خطوة باباجان جاءت بعدما انشق عن حزب أردوغان العام الماضي، وقال حينها إن تركيا "دخلت في نفق مظلم"، إثر حملة "التطهير" التي أطلقها أردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، التي تقوض حكم القانون والحريات الديمقراطية، بحسب منظمات حقوقية.
وقبل باباجان أطلق رئيس الوزراء الأسبق، أحمد داود أوغلو حزب المستقبل"، إثر تدهور العلاقة مع أردوغان إلى حد تبادل الاتهامات والتخوين.
قدرات الرجلين
وهذان السياسيان المخضرمان ليسا عاديين، كما يقول الخبير في الشؤون التركية، محمد عبد القادر، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، "فالأمر يعني ببساطة أن بوسعهما أن يسحبا جزءا من القاعدة الشعبية لأردوغان".
والرجلان اللذان انفصلا عن أردوغان يتمتعان بالكاريزما والحنكة السياسية، كما في حالة أحمد داود أوغلو، أو شخصية اقتصادية، مثل علي باباجان، استطاعت تحقيق إنجازات على المستوى الاقتصادي في السنوات الأولى لحزب أردوغان، الأمر الذي اكسبها شعبية في تركيا، لأنها اختلفت مع أردوغان وهو في السلطة.
ومن المقرر أن تخوض تركيا الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عام 2023، لكن خبراء يتوقعون أن تجرى انتخابات مبكرة العام المقبل 2021.
وشدد عبد القادر على أن الانشقاقات داخل حزب العدالة والتنمية تمت على مستوى القيادات والكوادر.
وذكرت وسائل إعلام المعارضة التركية أن مليون منتسب لحزب العدالة والتنمية سحبوا عضويتهم من الحزب الحاكم خلال العام الأخير.
وبحسب عبد القادر، فإنه بوسع باباجان وداود أغلو أن يستقطبا مزيدا من كوادر الحزب، وشريحة من الشباب غير المؤطر سياسيا مثل الذين شاركوا في احتجاجات اسطنبول عام 2013.
فرصة كبيرة
وبدوره، قال الكاتب والباحث السياسي التركي، جواد غوك، في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" إن بوسع باباجان إحداث تغيير سياسي كبير في تركيا إذا قدم برنامجا اقتصاديا قويا للشعب التركي للخروج من الأزمة الاقتصادية.
وأضاف أن لدى باباجان خبرة كافية في الحكومات التركية السابقة يمكن أن يبني عليها، خاصة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم لا يملك حاليا برنامجا اقتصاديا جديدا، الأمر الذي يمثل فرصة جيدة لباباجان.
وقال إن "الأتراك سئموا عهد حكومات حزب العدالة والتنمية، معربا عن اعتقاده أنه سيخسر الانتخابات المقبلة لأن الوجوه تاجديدة ستحظى بفرصة جيدة".
ويأتي ظهور أحزاب بقيادة حلفاء أردوغان الذين تحولوا إلى خصوم، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة الركود الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة في البلاد.
وشجعت الهزيمة في إسطنبول، أكبر مدينة تركية، المنتقدين داخل حزب العدالة والتنمية، بعد أن ظلوا لسنوات يلمحون إلى خطط لتشكيل حزب جديد.
عودة المعارضة
وتأتي الهزات داخل أروقة الحزب الحاكم في وقت تشهد الساحة السياسية اصطفافا جيدا للمعارضة.
وأثبت حزب الشعب الجمهوري المعارض جدارة كبيرة خلال الانتخابات البلدية، العام الماضي، عندما تمكن من انتزاع أهم المدن، مثل إسطنبول وأنقرة.
وأفرز الحزب شخصية قوية هي أكرم إمام أوغلو، الذي تمكن من هزيمة الشخص الثاني في النظام السياسي التركي، بن علي يلدريم، المقرب من أردوغان في انتخابات إسطنبول.
وبهذا النصر، مهّد إمام أوغلو الطريق أمام مقارعة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة باعتباره مرشحا قويا، بحسب عبد القادر.
ويرى الخبير في الشأن التركي أن الأحزاب السياسية في تركيا ترتبط بالأشخاص أكثر منها بالمؤسسات، الأمر الذي يعزز فرص إمام أوغلو.
هجوم على الرفاق السابقين
ولم ينتظر أردوغان حتى يبدأ داود أوغلو، وباباجان في التعبئة السياسية، فقد بدأ بهجوم إعلامي على أحمد داود أوغلو، ووصل الأمر حد تحويله إلى اتهامه بالخيانة والعمل لصالح قوى خارجية، في محاولة لإضعاف شعبيته.
ولم يكتف بذلك، بل عمد عبر الحكومة إلى الاستيلاء على جامعة أسسها داود أوغلو قبل سنوات، وتكرر الأمر مع مؤسسة أخرى اسمها "العلوم والفنون" التي تنشط في المجال السياسي.
وقال عبد القادر إن مصادرة هذه المؤسسات من جانب أردوغان خطوة لإضعاف داود أوغلو حتى لا تكون لديه عناصر قوة عندما ينافس أردوغان في الفترة المقبلة.
وتوقع غوك أن تدفع انتخابات مبكرة في تركيا، بالعديد من أعضاء حزب العدالة والتنمية إلى الانشقاق عنه.
ولغاية الآن لم يهاجم حزب أردوغان باباجان، في حين توقع غوك أن يبدأ الهجوم على حزبه بعد أيام، باتهامات فساد إبان توليه وزارة الاقتصاد.
ورأى عبد القادر أن الانتخابات المبكرة لن تكون في صالح حزب العدالة والتنمية، وربما يلجأ إلى تصعيد الأوضاع في الخارج، بحيث يصبح انتقاد الحزب الحاكم والرئيس والدعوة إلى انتخابات مبكرة "أمر غير مناسب في ظل أن المعارك الخارجية للدولة".
تأثير حتمي كبير
ولا تزال شعبية الرجلين غير معروفة في الشارع الانتخابي، حيث لم تختبرهما استطلاعات رأي ذات مصداقية، لكن من المحتمل أن يغيروا المشهد السياسي ويتصرفوا كصناع ملوك.
وعلى سبيل المثال، إذ حصل الاثنان على 3-5 في المئة من القاعدة التقليدية لحزب العدالة، تيار المحافظين، في الانتخابات البرلمانية، فهذا سيعني تغييرا كبيرا في تركيا.
وفاز حزب أردوغان في الانتخابات البرلمانية عام 2018 بشق الأنفس، بعدما أبرم اتفاقا مع الحركة القومية، ومع ذلك لم يحز سوى على 52 في المئة من مقاعد البرلمان، مما يعني أنه غير قادر نظريا على تحمل منافسين في معسكره المحافظ.
وحتى في الانتخابات الرئاسية، يمكن أن يلعب هؤلاء دورا مزعجا لحزب أردوغان، خاصة أن القانون يقول إن الفائز يحصل على 50 + واحد، بمعنى أنه بوسع أي حزب التأثير على من يتولى الحكم.
وكان أردوغان وحزب العدالة والتنمية يديران الانتخابات منذ عام 2002، على أساس وجود منافسة بين يسار ويمين الأمر الذي ساعدهما على جمع الأصوات المحافظة، لكن الآن مع الأحزاب الجديدة ستصبح المنافسة في ميدان أردوغان.