منذ أكثر من 3 سنوات، وتحديدا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، أطلقت السلطات حملة أمنية شعواء ضد عشرات الآلاف من المواطنين بحجة الانتماء إلى جماعة الداعية فتح الله غولن، الذي تتهمة أنقرة بتدبير المحاولة.
وحسب تقارير حقوقية ترصد الانتهاكات التي تمارسها السلطات التركية بحق من تدعي ارتباطهم بمحاولة الانقلاب، فإن الحملة لم تستثن القطاع الصحي، الذي تضررت العشرات من مؤسساته والمئات من العاملين به.
وسلط موقع "نسمات" للدراسات الاجتماعية والحضارية، الضوء على خرق أبسط قواعد حقوق الإنسان، في تقرير حديث بعنوان "تصفية ممنهجة للقطاع الصحي في تركيا"، تناول الحديث عن 7 نقاط أساسية تشمل الانتهاكات الصارخة بحق المتخصصين العاملين في القطاع ومؤسساته.
وأعلن وزير الصحة فصل 7500 من العاملين في المجال الطبي، ضمن عملية "تطهير جماعي" تمارسها الحكومة، منهم 1697 طبيبا أكاديميا من كبار الأساتذة ورؤساء الأقسام الطبية، يمثلون 6 بالمئة من مجموع الأكاديميين العاملين في كليات الطب، كما تم فصل 1689 طبيبا من العاملين في وزارة الصحة بشكل تعسفي.
وفي القطاع الخاص فالصورة أكثر قتامة، لأن أكثر من 1200 طبيب أصبحوا الآن بلا عمل نتيجة إغلاق مستشفياتهم ومراكزهم الطبية الخاصة، كما فقد 675 طبيبا أكاديميا عملهم عندما أغلقت كليات الطب الخاصة المرتبطة بمشاريع غولن، كما تأثر 5261 طبيبا وأكاديميا وعاملا في قطاع الصحة من هذه الإجراءات التعسفية.
وبإحصاء كل الذين فصلتهم الحكومة تعسفيا من العاملين في قطاع الرعاية الصحية الحكومي والخاص، فإن عددهم يصل إلى أكثر من 21 ألف عامل، ولعل الجرم الوحيد الذي ارتكبه هؤلاء هو أن آراءهم تخالف توجهات الحزب الحاكم.
لكن معاناة القطاع لم تتوقف عند هذا الحد، فقد عرض التقرير العديد من حالات الاعتقال التي طالت الأطباء وما نالهم من أذى جسدي ونفسي في معتقلاتهم، كحالة الطبيب النفسي والأكاديمي المشهور خلوق صواش الذي اعتقلته السلطات التركية في 28 ديسمبر 2016 بدعوى أنه إرهابي، فتم فصله من عمله في الجامعة التي صنفه رئيسها أنه منتقد للحكومة، وتسبب إيذاؤه جسديا بإصابته بمرض اليرقان الانسدادي، وسرطان القولون.
وبلغ التجاوز في الاضطهاد ليصل إلى أسرته، حيث فصلت زوجته المحاضرة المتخصصة في علم الطب الباطني من عملها، واقتيد ابنه كراي البالغ من العمر 12 عاما، الذي كان في دورة تعلم لغة بالخارج، للتحقيق معه في المطار دون علم والديه ودون محام، كما صادرت الشرطة جواز سفره.
وفي مقابلات مع مجموعة من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي الذين هربوا من تركيا خوفا من التعرض للاعتقال والتعذيب داخل السجون، أعرب "محمد"، وهو اسم مستعار خوفا من الملاحقات لواحد من المعدودين في مجال العلاج الإشعاعي في تركيا، عن قلقه على أمن وسلامة أسرته التي لا تزال في تركيا.
ولم تقف اليد الباطشة للحكومة التركية عند حدود حملات الاعتقال والملاحقة للمتخصصين من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بدعوى تعاطفهم مع أفكار غولن، بل تخطت ذلك بكثير بالإقدام على إغلاق المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة، والمنشأة طبقا للوائح والقوانين، في انتهاك واضح لهذه القوانين، ودون أدنى مراعاة لحقوق أصحابها ولا لحقوق المرضى وما قد يؤدي إليه ذلك من مضاعفات لبعضهم.
وتبين الإحصاءات أنه قد تم إغلاق 14 مستشفى، و36 مركزا طبيا ومركزا بحثيا ومستشفى تعليميا تابعا لوزارة الصحة، وتضم هذه المؤسسات المئات من العاملين.
كما شملت الحملة القمعية الصيادلة، فقد نالوا هم أيضا نصيبهم بإغلاق صيدليات واعتقالات وحرمان 400 صيدلية في أنحاء تركيا من الدعم الذي تقدمه الحكومة للمرضى من خلال الضمان الاجتماعي، دون أي تحقيق إداري أو حكم قضائي، بل واعتقلت الشرطة أصحابها بتهمة الانتماء لحركة غولن.