عاشت أوروبا الأسبوع الماضي موجة حر غير مسبوقة، كسرت فيها درجات الحرارة أرقاما قياسية في العديد من المدن، لتكون بمثابة ناقوس الخطر، الذي ينذر من الأخطار المتزايدة لظاهرة التغير المناخي.
ويسلط هذا التوقع لعالم أكثر حرارة بكثير، الضوء على المخاطر المحدقة خلال مرحلة حاسمة من المحادثات لتنفيذ اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، في مسعى جماعي لدرء الانهيار المناخي.
وتظهر الدراسات المتعاقبة، الأضرار المناخية من أحوال الطقس القاسية، مثل ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحر، بما يتجاوز التوقعات الأولية، لذلك لا توجد أمام المفاوضين فسحة كبيرة لتحويل التطلعات المتفق عليها في باريس إلى نتائج ذات معنى.
وقالت سو ريد، نائبة مسؤول المناخ والطاقة في سيريس، وهي جماعة أميركية لا تهدف إلى الربح وتعمل على توجيه الشركات والمستثمرين إلى طريق أكثر استدامة: "هناك أمور كثيرة على المحك خلال الشهور الثمانية عشر المقبلة".
وأضافت: "هذه فترة حاسمة للمسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص على حد سواء، لتحويل دفة الانبعاثات بالفعل"، حسب ما ذكرت وكالة رويترز.
وفي أكتوبر الماضي، نبهت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بـتغير المناخ، المدعومة من الأمم المتحدة، إلى ضرورة بدء خفض الانبعاثات العام المقبل في أبعد تقدير، حتى تكون هناك فرصة لتحقيق الهدف من اتفاقية باريس، وهو إبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.
وفي ظل الانبعاثات الحالية، التي تدفع درجات الحرارة إلى الارتفاع أكثر من 3 درجات، يعمل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على انتزاع التزامات أكبر من الحكومات قبل قمة مقررة في نيويورك في سبتمبر.
ويقول غوتيريرس إن عدم خفض الانبعاثات سيكون بمثابة عملية "انتحارية"، ساعيا إلى حشد الزخم قبل جولة جديدة من المحادثات المناخية في تشيلي في ديسمبر المقبل.
وبحلول وقت انعقاد قمة تكميلية كبيرة في بريطانية أواخر عام 2020، من المفترض أن تكون هناك خطط، ولو من الناحية النظرية، لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف خلال السنوات العشر المقبلة.
وقالت المحامية الدولية في مجال تغير المناخ، المديرة في شبكة معنية بالحد من آثار الظاهرة، تيسا خان: "سنشهد خلال فترة عام ونصف العام، دبلوماسية مناخية بكثافة لم نشهدها منذ توقيع اتفاقية باريس".
من جانبه، يرى خبير المناخ الأميركي مايكل مان، أنه ينبغي خفض الانبعاثات بما يتجاوز كثيرا ما تريده الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، لأن الهيئة ربما تستهين بمدى ارتفاع درجات الحرارة بالفعل مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية.
وأضاف مان: "عملنا بهذا الشأن يشير إلى أننا ربما نحتاج إلى تقليص استهلاك الكربون بنسبة 40 بالمئة، مقارنة بما تشير إليه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إذا أردنا عدم تجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية".
لكن الدول صاحبة الاقتصادات الكبيرة لم تلتفت حتى الآن، فعلى الرغم من تشديد بريطانيا التزامها باتفاقية باريس في يونيو، بتعهدها بوقف انبعاثات الكربون تماما بحلول عام 2050، فإنها لا تزال بعيدة عن التأهب لدخول معترك المناخ مع انشغالها بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبالإضافة إلى ذلك، تراجع مسعى تقوده فرنسا وألمانيا لتبني الاتحاد الأوروبي لهدف مشابه، إلى مجرد ملحوظة فرعية في بيان، خلال قمة في بروكسل بعد معارضة بولندا وجمهورية التشيك وهنغاريا.
يأتي هذا في الوقت الذي لا يزال فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملتزما بانسحاب بلاده، ثاني أكبر دولة مسببة للانبعاثات في العالم، من اتفاقية باريس تماما.