أرسلت إيران في عطلة نهاية الأسبوع رسالة واضحة إلى بريطانيا، أكبر داعم للاتفاق النووي وأحد القوى الأوروبية الثلاث التي تسعى لمساعدة طهران على تلبية احتياجاتها في ظل العقوبات الأميركية.. كان فحوى الرسالة: "نحن نشكل خطرا على الجميع".

فقبل 3 أسابيع أعلنت بريطانيا وألمانيا وفرنسا عن آلية مالية تساعد إيران على الحصول على عوائد نفطية لاستخدامها في تلبية الاحتياجات الضرورية مثل الغذاء والدواء، وذلك ضمن مساعي الدول الثلاث لإنقاذ الاتفاق النووي.

لكن على الرغم من ذلك، قررت طهران انتهاك بنود الاتفاق المتعلقة بكمية ومستوى تخصيب اليورانيوم، فيما واصلت الدول الأوروبية حث النظام الإيراني على التقيد بالاتفاق دون أن تتخذ أي إجراء قانوني يتيحه الاتفاق باللجوء إلى آلية فض المنازعات، والتي من شأنها إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران عبر مجلس الأمن.

وجاءت واقعة احتجاز السلطات البريطانية في جبل طارق لناقلة النفط التي تحمل نفطا إيرانيا "غريس 1"، تنفيذا لعقوبات أوروبية على مصفاة بانياس السورية، والتي كان من المقرر أن تتسلم هذه الشحنة من النفط، لتظهر جانبا من السلوك الإيراني، الذي يعود إلى حقبة الثمانينات من القرن الماضي.

فقد أنطلقت التهديدات الإيرانية باستهداف ناقلات نفط بريطانية، وبالفعل، استولى الحرس الثوري على الناقلة "ستينا أيمبيرو" في إجراء يبدو الهدف منه المساومة من أجل إطلاق سراح الناقلة "غريس1" وتحقيق عدد من الأهداف السياسية خارجيا وداخليا.

وبدت بريطانيا حذرة بشكل كبير في التعامل مع اختطاف الناقلة، حيث أكدت التصريحات الواردة من 10 داوننيغ ستريت (مقر الحكومة) في لندن على "تهدئة التوتر"، وعدم السعي إلى التصعيد.

وبموازاة ذلك، هددت بريطانيا بفرض عقوبات تتعلق بتجميد الأموال الإيرانية، داعية طهران إلى التراجع عن هذا النهج الخطير.

قدرات بريطانية محدودة

ونقلت "سكاي نيوز" في لندن عن وزير الدولة لشؤون الدفاع في الحكومة البريطانية، توبايس إيلوود، الأحد، أن الحكومة تدرس "مجموعة خيارات" للتصدي لاعتراض إيران لناقلة النفط "ستينا أيمبيرو".

وأكد إيلوود أنه "سندرس سلسلة من الخيارات"، لكن الوزير البريطاني اعترف بأن قدرات التدخل البريطانية محدودة.

وقال إن "القوات البحرية الملكية صغيرة جدا على إدارة مصالحنا في العالم. إذا كان هذا ما نرغب فيه في المستقبل، فعلى رئيس الوزراء المقبل الإقرار بذلك".

ومع ذلك، فقد أكد وزير الخارجية، جيريمي هنت، أحد المرشحين لتولي رئاسة الحكومة خلفا لتيريزا ماي، على أن الأولوية "تبقى إيجاد وسيلة لتهدئة الوضع".

لندن و"العين بالعين"

وقالت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية البريطانية، أليسون كينغ، لسكاي نيوز عربية إن الأفعال الإيرانية "تشكل تهديدا لحرية الأمن البحري"، مشيرة إلى أنه طبقا لمحادثة جرت بين وزيري الخارجية البريطاني والإيراني، فإن طهران تعتبر احتجاز السفينة البريطانية من منظور "العين بالعين".

"لكن بالنسبة لنا ليس هناك أي مقارنة ولا توجد علاقة بين الحادثتين"، وفقا لكينغ.

وقالت إن الأمر يتطلب "ردا قويا" سيعلنه وزير الخارجية، جيريمي هنت، أمام البرلمان، الاثنين.

واعتبرت المتحدثة أن أمام إيران مخرجا "إذا كفت عن هذه الأفعال الاستفزازية، بما يعيدها إلى طريق السلام، لكن استمرار طهران لن يكون له مردودا جيدا".

أخبار ذات صلة

بين ناقلات النفط والدرون.. كيف ستشعل إيران حربا لا تريدها؟
لماذا لا تستطيع إيران إغلاق "هرمز"؟ الإجابة عند "فرس النبي"
لندن تبحث عدة خيارات ردا على احتجاز إيران للناقلة البريطانية
تسجيل صوتي لمواجهة بريطانية إيرانية قبيل احتجاز الناقلة

الدعاية الإيرانية مقابل الضغط الاقتصادي

وفي اتصال هاتفي من لندن، قال المحلل السياسي الإيراني، يوسف عزيز، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن بريطانيا تحاول تجاوز ما يعرف بـ"الكرامة السياسية" في تعاملها مع السلوك الإيراني.

وبحسب عزيزي، تعتبر بريطانيا، مثل الولايات المتحدة، أن الضغوط الاقتصادية هي الأكثر فعالية في التعامل مع إيران، "فهي تخشى من أن يوحد عمل عسكري فئات من الشعب الإيراني مع السلطة، لكن الإبقاء على درجة ما من الضغط الاقتصادي سيكون أقل كلفة وأكثر إيلاما".

ونفذ عناصر ملثمون من الكوماندوز الإيراني استعراضا في مقطع فيديو دعائي يصور الاستيلاء على الناقلة البريطانية.

ويبحث الملالي عبر هذه التحركات السينمائية عن شعبية في الداخل الإيراني بتصوير النظام المنهار ماليا على أنه لا يزال قويا ومتحديا للغرب.

ويلعب النظام المأزوم على ورقة استعادة التضامن الشعبي بعدما تشققت أرضيته بفعل الجفاف الاقتصادي والغضب، الذي هز جميع أرجاء البلاد من جراء السياسات الحكومية الفاسدة.

إغراق المنقذين

وعلى المستوى الخارجي، لا يمكن فهم التحركات الإيرانية ضد أحد أهم الدول الداعمة للاتفاق النووي سوى أنه تهور سياسي، بحسب عزيزي.

فـ"الوضع أشبه بالغريق الذي يتشبث بكل شيء وحتى يجازف ويسحب من يحاول إنقاذه إلى الأسفل".

وتراهن إيران في إجراءاتها التصعيدية على الرغبة الأوروبية في "عدم التصعيد"، لكن مع اتجاه لندن إلى العقوبات المالية فإنها تعرف أن ذلك لن يكون سهلا.

وتعد "لندن مركزا رئيسيا لشركة النفط الإيرانية وتحتضن أصولا كثيرة وأموالا هناك"، لذا فإن طهران ستأخذ التحركات الإيرانية على محمل الجد.

وفي خضم ذلك، تغامر طهران بخسارة ألمانيا وفرنسا بالتبعية وروسيا والصين إذا ما تطورت الأمور ووصلت إلى نقطة التحلل الكامل من الالتزامات في الاتفاق النووي.

فالتصعيد الإيراني الذي تحاول طهران السير به على طريق حافة الهاوية، قد تنهار أمامه محاولات ضبط النفس الدولية ويمكن حينها رؤية الأوروبيين وهم يتخلون عن الآلية المالية لمساعدة طهران وربما إجراءات تتعلق بالتخلي عن الاتفاق النووي ككل، بحسب عزيزي.

حرب ناقلات في الأفق؟

وبينما ترتفع درجة حرارة المياه في مضيق هرمز، فإن التصعيد الإيراني قد يؤدي إلى حرب ناقلات جديدة على غرار ما حدث في ثمانينات القرن الماضي.

واشتعلت حرب الناقلات عام 1985، بين العراق وإيران، لكنها القوات الإيرانية تمادت لتستهدف ناقلات النفط الكويتية.

وتعرضت أكثر من 450 سفينة للهجوم خلال 8 سنوات من القتال، قبل أن تتدخل واشنطن بإرسال 30 سفينة حربية إلى الخليج لحماية ناقلات النفط الكويتية.

لكن استمرار إيران في استهداف الناقلات وانفجار لغم في سفينة أميركية، أدى إلى قتال مباشر مع الولايات المتحدة، خلال عملية عسكرية أطلقت عليها واشنطن "فرس النبي"، أسفرت عن تدمير سفن حربية إيرانية ومنصات نفطية ومقتل 60 جنديا إيرانيا.

وفي خضم هذه الأحداث، أسقطت البحرية الأميركية بطريق الخطأ طائرة مدنية إيرانية خلال تلك الفترة، مما أسفر عن مقتل جميع الركاب البالغ عددهم 290.

وقال عزيزي إنه في ظل التوتر المتصاعد قد تنفلت الأمور إلى "حرب ناقلات جديدة"، إذا لم يتوحد المجتمع الدولي لكبح السلوك الإيراني في المنطقة.