في الوقت الذي عاد فيه البرنامج النووي إلى دائرة الصراع بين واشنطن وطهران، تصدر اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة المشهد عبر محاولة الضغط من أجل كبح أي إجراء حازم ضد نظام الملالي، ليلقي الضوء بذلك على هذه الجماعات ذات النفوذ الكبير.
وفي نظام ديمقراطي عتيد مثل الولايات المتحدة، تلعب جماعات المصالح، أو ما يعرف بجماعات الضغط (اللوبيات) دورا كبيرا في توجيه السياسة الأميركية باتجاه مصالح معينة عبر الاستفادة من الحرية الممنوحة لتشكيل هذه الجماعات.
والأسبوع الماضي عندما زادت إيران من مخزون اليورانيوم فوق 300 كيلوغرام في انتهاك للاتفاق النووي، سارعت واحدة من أقوى جماعات الضغط الإيرانية، مجلس الوطني الإيراني الأميركي (ناياك) NIAC، في بيان بإلقاء اللوم على ما وصفته بسياسة" الضغط الأقصى" التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب مع إيران.
وقال البيان إن "عواقب تخلي الرئيس ترامب عن الاتفاق النووي ما زالت مستمرة".
وأضاف بيان المجلس الذي كان له نفوذ كبير داخل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وكان أحد الضالعين في تهيئة الأجواء للاتفاق النووي، إن ترامب "ورث صفقة نووية ناجحة، ومع تمزيق وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون للاتفاق، فإنه لا يوجد نهاية لذلك أخطر من الحرب".
ورغم انتهاك طهران لالتزاماتها في الاتفاق، فقد أشاد البيان بـ" التزام إيران الطوعي في الاتفاق النووي".
نشأة استخباراتية
وبحسب الخبير في الشأن الإيراني، هاني سليمان، فقد "سعى نظام الملالي مبكراً لتكوين لوبي إيراني في الداخل الأميركي يحمل على عاتقه مهمة ترويج نظام الثورة الإسلامية والدفاع عن بقائه ومصالحه، وإقامة شبكة علاقات بالمؤسسات المختلفة التجارية والسياسية للتأثير على نوافذ صنع القرار بما يحقق مصالح الدولة ويحافظ عليها."
وتعود نشأة اللوبي الإيراني بسياسته الحالية إلى نائب وزير الخارجية الإيراني الأسبق، صادق خرازي الذي أقام في الولايات المتحدة بين عامي 1989 و1996، واضطلع بمهمة الربط بين مؤسسات غير حكومية ومنظمات سياسية ومدنية وشركات تجارية لها مصالح اقتصادية مشتركة مع طهران.
لكن لهذه النشأة جذور استخباراتية، بحسب المحلل السياسي الإيراني علي قاطع الأحوازي، الذي أشار إلى أن بداية اللوبي الإيراني جاءت بعد أعوام قليلة من تشكيل منظمة المخابرات والأمن القومي الإيرانية "السافاك"، حيث بدأت العلاقات السياسية والحماية الأمنية والاستراتيجية تصل إلى ذروتها قبل الثورة الإيرانية عام 1979.
وبعد الثورة، تغيرت العلاقات ووصلت إلى أضعف مستوى، "لكن ونظراً لأن الفاعلين الأساسيين في الجانب الإيراني لهذه العلاقات التي يشكل غالبيتهم قيادات الأمن والجيش الإيراني فروا إلى الولايات المتحدة، فبدأوا بالعمل لصالح إيران في فترة الحرب الإيرانية العراقية وتمكنوا خلالها من الالتفاف على انقطاع العلاقات الأميركية الإيرانية وكذلك الإيرانية الإسرائيلية ونجحوا في إبرام العديد من صفقات الأسلحة من أميركا وكذلك من إسرائيل إلى إيران"، بحسب الأحوازي.
رجال طهران في البيت الأبيض
ويتمركز نفوذ اللوبي الإيراني في لوس أنجلوس حيث تعيش غالبية الجالية الإيرانية حتى أن البعض أطلق عليها "طهران أنجلوس"، لكن هذا التواجد الكثيف على الساحل الغربي الثري، هو ما وصل بالنفوذ إلى واشنطن على الساحل الشرقي حيث البيت الأبيض والكونغرس.
ويقول مصدر مطلع لموقع "سكاي نيوز عربية"، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن الإيرانيين كانوا يملأون جنبات وزارة الخارجية والبيت الأبيض في عهد أوباما.
وأضاف "جاءتني دعوة إلى مكتب وزير الخارجية آنذاك جون كيري، فوجدت أن الوزارة أضحت مقرا للإيرانيين".
ويضيف:"من كبار الموظفين إلى صغارهم.. حتى عاملة النظافة من أصول إيرانية.. الوزارة مخترقة منذ عهد أوباما".
وقد حملت بعض الشخصيات مسؤولية تمكين اللوبي الإيراني في الداخل الأميركي، وأهمها على الإطلاق تريتا بارسي الذي أسس المجلس الوطني الإيراني الأميركي (ناياك)، والذي زار البيت الأبيض 33 مرة، وكان له دور كبير في إقناع أوباما بالاتفاق النووي عام 2015.
ومن بين أكثر الشخصيات أهمية في هذا الإطار، أمير أحمدي رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي، وسحر نوروزيان المستشارة السابقة للأمن القومي الأميركي، والمسؤولة عن الملف الإيراني، وفريال جواشيري؛ الكاتبة الخاصة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ورامين طلوعي، النائب السابق لوزير الخزانة الأميركي للشؤون الدولية، وفاليري غارت المستشارة السابقة المقربة إلى أوباما، وسيروس أميرمكري، مساعد وزير الخزانة الأميركي السابق في شؤون المؤسسات المالية.
وبجانب ناياك، يمتلك اللوبي الإيراني عددا من المؤسسات المهمة، من بينها المؤسسة الأقدم "بيناد علوي"، التي أسسها شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1973 في نيويورك، تحت اسم "بيناد بهلوي"، لكن مع سيطرة الإسلاميين على السلطة تم تغيير اسمها.
ويقول الأحوازي لموقع سكاي نيوز عربية:"بعد مجيء الخميني لسدة الحكم في طهران تغير اسم المؤسسة من بهلوي" إلى علوي، واحتفظت بكل خيوط العلاقة مع منظمات المجتمع الأميركي".
وتدور حول هذه المؤسسة التي تتخذ من العمل الخيري واجهة لها، الكثير من الفضائح، كان آخرها، قرار من المحكمة بمصادرة مقرها الضخم الذي يتألف من 36 طابقا.
ويشير الأحوازي إلى أن العديد من المصادر كانت قد تحدثت عن ضلوع وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف في فترة حكم الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد في تأسيس "ناياك" بعد كثرة المشاكل التي سببتها "بيناد علوي".
وبحسب الأحوازي:"لعبت ناياك دوراً غير قابل للإنكار في محادثات أوباما مع إيران. ويعتقد البعض أن ناياك كانت تمثل خطا ساخنا لإرسال الرسائل التي لم تتح الفرصة لتبادلها بين الفريقين الإيراني والأميركي في ساعات المباحثات".
كما يسود اعتقاد بأن ناياك "كانت العراب الذي تمكن من إيصال العديد من أعضائها إلى المناصب الأكثر حساسية في إدارة اوباما، فبالإضافة إلى فريال جواشيري، وسحر نوروز زادة، كانت هناك باندا آ فاعد، سكرتيرة سيدة البيت الأبيض آنذاك ميشيل أوباما، وهدية غفاريان، مسؤولة الديكور في البيت الأبيض".
حدود التأثير
ورغم تباين تأثير اللوبي الإيراني بحسب النخبة السياسية في طهران؛ لكنه منذ منتصف 2013، زاد نشاطه بشكل واضح حتى توج في النهاية بالقدرة على التأثير على الكونغرس، وعلى الإدارة الأميركية في عهد أوباما والتوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران 2015.
ويقول سليمان إن النظام الإيراني يعتمد بشكل كبير في تأثيره على اتجاهين: أولهما، يرتبط بأجهزة الإعلام الأميركية والمنظمات البحثية، ويتركز نشاط هذه المجموعة أيضًا على الكونغرس الأميركي، ومنها تمويل جامعات أميركا الشمالية وغيرها من مراكز التعليم العالي والبحوث تحت غطاء الأنشطة الثقافية.
فمؤسسة "بيناد علوي تعد فرعا خارجيا لمؤسسة المستعز للثورة الإسلامية، وهي منظمة سياسية ومالية قوية ذات أصول كبيرة وممتلكات واسعة داخل إيران وخارجها".
أما الاتجاه الثاني، فيرتبط بصناعة النفط، و"يقع على عاتقه خلق مصالح مؤثرة قادرة على توليد منافع مالية لها أولوية على المصالح الوطنية الأميركية".
وتحت هذين الاتجاهين، وفق سليمان، يعمل اللوبي الإيراني على تحقيق أهداف مختلفة "تتمثل في الدفاع عن نظام الملالي وضمان بقائه واستمراره من خلال التأثير على مراكز صنع القرار، ومحاولة رفع العقوبات الاقتصادية على طهران من خلال الضغط على الكونغرس ومحاولة العودة للاتفاق النووي، واستقطاب المؤسسات والمجتمع الأميركي.