تستجمع القارة الأفريقية التي أنهكتها الحروب والأزمات قواها، لتنهض وتشق طريقها نحو مستقبل سياسي واقتصادي جديد لبث الروح في القارة التي علت فيها أصوات البنادق فوق أي صوت.
وتحتضن عاصمة النيجر، نيامي، يوم غد الأحد، قمة أفريقية توصف بـ"التاريخية"، حيث ستشهد حضورا مهما لقادة ورؤساء دول القارة السمراء، بهدف مناقشة عدد من الملفات الاقتصادية والأمنية وإطلاق مشاريع مهمة.
وتأتي القمة في وقت يشهد فيه شمال القارة وشرقه حراكا، يأمل المراقبون في أن يسفر عن استقرار يساعد القارة في النهوض والتلاحم لخلق استقرار دائم والمضي قدما نحو "طريق الحرير" المزمع إنشاؤه من البحر الأحمر شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا عبر النيل وحتى مصب نهر النيجر غربي القارة.
وقال خبراء إن قمة النيجر الاستثنائية تأتي في مكان استثنائي أيضا لتسليط الضوء على معضلة الإرهاب في منطقة تقاطع خطيرة للجماعات الإرهابية الناشطة بين حدود دول المنطقة، حسب ما قالت الخبيرة في الشأن الأفريقي أسماء الحسيني لموقع "سكاي نيوز عربية".
وينظر مراقبون إلى أن الحراك السوداني الذي أسفر عن اتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وبين قوى الحرية والتغيير، وكذلك الحراك الجزائري الذي يمضي قدما نحو عملية ديمقراطية، بجانب الحرب القائمة في ليبيا على الإرهاب للسيطرة على منافذه في القارة، كل ذلك من شأنه أن يوحد جهود القارة في بسط السيطرة على الأوضاع والتحديات الأمنية في البؤر المشتعلة وتحديدا منطقة الساحل وبحيرة تشاد.
وشهدت القمم الأفريقية السابقة فتورا في المشاركة العربية منذ اندلاع شرارة ما يطلق عليه "الربيع العربي"، الذي عطلت أحداثه مشاركة الدول العربية في صياغة مستقبل القارة.
وتأتي قمة النيجر لتخطو بالقارة إلى الأمام، بعد أن صادق قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الإيكواس" على "إيكو" كاسم للعملة الموحدة التي يأملون إنشاءها بدءا من عام 2020.
وتتأهب قمة النيجر لإطلاق المرحلة التشغيلية لاتفاقية التجارة الحرة في ربوع القارة، وهي الاتفاقية التي صادقت عليها أكبر اقتصاديات القارة، بما في ذلك إثيوبيا وكينيا ومصر وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى كل من زيمبابوي وبوركينا فاسو.
ودخلت اتفاقية التجارة الأفريقية حيِّز التنفيذ في 30 من مايو الماضي، بعد أن صادقت عليها 23 دولة أفريقية، وهو ما تخطى النصاب القانوني المطلوب وهو 22 دولة، لتصبح بذلك أكبر اتفاقية لأسواق التجارة الحرة في العالم، بعدد مستهلكين يصل إلى 1.2 مليار نسمة، وبناتج إجمالي محلي يتجاوز الـ3.4 تريليون دولار، ما يمثل 3 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، بحسب موقع قراءات أفريقية.
ومنذ أن وقعت 50 دولة مبدئيا على اتفاقية إحداث "منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية" في 13 مارس الماضي، والقارة السمراء تسعى للخروج من كونها مستودعا عالميا لتصدير المواد الخام، إلى منتج ومستغل للموارد.
تحديات أمنية
وفيما تستعد القارة للانطلاق نحو المستقبل، تنعقد قمة النيجر في منطقة تعد الأكثر اشتعالا في كل أركان أفريقيا، وذلك بعد أن اتخذت بوكو حرام والقاعدة وداعش وعشرات المجموعات المسلحة منطقة الساحل والصحراء ساحة لأعمال قتالية واسعة، يتحتم على المسؤولين السيطرة عليها قبل المضي نحو أية خطط تنموية قد تعرقلها الأعمال الإرهابية.
وبينما يعقد الأفارقة العزم، على فتح مجال واسع أمام حركة البضائع والتبادل التجاري، والسعي نحو الوحدة بشكل واسع ينتهي بتحقيق حلم "الجواز الأفريقي الموحد"، تبقى تلك أحلام مهددة أمام التنظيمات المتطرفة التي تنسج خيوطها لتوحيد أعمالها الإجرامية عبر القارة.
وأدت هزيمة داعش في العراق وسوريا إلى تطلع قادة التنظيم الإرهابي لأفريقيا، بحسب ما أعلنه زعيم التنظيم الدموي البغدادي في آخر ظهور له، والذي دعا فيه أتباعه للتوجه لأفريقيا حيث يحظى بأتباع ومتعاطفين، وحيث يمكن لأتباعه في أوروبا وشمال أفريقيا التسلل جماعات وفرادى لزعزعة أمن المنطقة.
وبحسب مراقبين، فإن عجلة القطار الأفريقي لا يمكنها المضي قدما ورسم طرق تجارية عبر الأنهار والصحاري والواحات دون إحكام السيطرة على مفاصل الأزمة الأمنية المستعصية، والقضاء على الإرهاب.
وحسب الخبيرة في الشأن الأفريقي، أسماء الحسيني، فإن انعقاد القمة في النيجر يسلط الضوء على منطقة جغرافية أضحت مسرحا للجماعات الإرهابية، حيث تتسرب الأسلحة من ليبيا التي تسيطر عليها جماعات مسلحة، نحو منطقة نهر النيجر والتي تنشط فيها بوكو حرام والقاعدة.
وأوضحت الحسيني لـ"سكاي نيوز عربية" أن "المنطقة اليوم تواجه تحديات أمنية تحتم على القمة طرح معادلة التنمية في مواجهة الإرهاب، فكلما كان هناك تنمية كل ما أمكن سحب البساط من تحت أقدام الإرهاب. وهذا لن يتم عبر مواجهة الإرهاب بعمليات نوعية بل عبر منظومة شاملة تنهض بالتنمية والأمن وتبث الحياة في مفاصل الحياة عبر مقارعة الفكر المتطرف بتنمية مستدامة".
ويشكك مراقبون من إمكانية تحقيق ذلك في ظل العجز الحاصل من قبل قوات الأمم المتحدة، وقوات 20 دولة أخرى بقيادة فرنسا في السيطرة على الإرهاب الذي يطبق على المنطقة وآخذ في الاتساع منذ عقد من الزمن.
وفي هذا الصدد ترى الحسيني، أن قضية استقرار المنطقة تتطلب جهودا دولية وشراكة كاملة مع دول المنطقة من قبل الغرب: "هذه الشراكة هي فقط ما سيساعد على محاربة الإرهاب وفي السيطرة على الهجرة والفقر والعوز".
وأبدت الولايات المتحدة امتعاضها من النتائج البطيئة والمتواضعة تجاه الحرب على الإرهاب في الساحل، بحسب ما جاء على لسان وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل.
ونجحت الجماعات الإرهابية والذئاب المنفردة في تشتيت تركيز حكومات المنطقة، بعد أن أضحى من المستحيل التنبؤ بهجماتها الإرهابية، التي تفاجئ بها المنطقة بين حين وآخر في منطقة واسعة، السيطرة عليها ضرب من المستحيل دون تعاون دولي وإقليمي عال المستوى.