كشف تحقيق استقصائي حديث تمكن تنظيم "داعش" من نقل أصول مالية كبيرة لتركيا، وأن هزيمة التنظيم الإرهابي عسكريا في كل من سوريا والعراق تمثل فرصة للإرهابيين لتبني استراتيجية اقتصادية اعتمدتها "القاعدة" في الماضي.

وفي التحقيق الذي أجرته مجلة "أتلانتيك" الأميركية، كشف مسؤول عراقي بارز لم تكشف عن اسمه، أن الجزء الأكبر من الأصول المالية لتنظيم "داعش" قد نقل إلى تركيا، رغم العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية وطالت شركات للخدمات المالية في سوريا والعراق.

ووفق المسؤول، فقد وصلت أصول التنظيم الإرهابي إلى تركيا إما نقدا أو بعد تحويلها لذهب، كما تغاضت السلطات التركية عن بيع عناصر من "داعش" للنفط المهرب لمشترين أتراك.

وسطاء أعمال

وأشار التقرير إلى أن الهجمة التي طالت "داعش" في أربيل شمال العراق شهر أكتوبر الماضي، قد كشفت وثيقة تؤكد استثمار التنظيم في العقارات وتجارة السيارات، عبر مؤسسات يديرها وسطاء متعاطفون مع التنظيم الإرهابي.

واستهدفت الهجمة تلك بشكل رئيسي الشبكة المالية التي أسسها فواز محمد جبير الراوي لصالح "داعش"، وتتصل بتركيا التي نفت توفيرها "ملاذا آمنا" لداعش وأصولها.

سلاح ذو حدين

ورغم إعلان قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أميركيا، النصر العسكري على "داعش" ونهاية "خلافته" المزعومة بانتزاعه من قرية الباغوز، التي كانت آخر جيب تحت سيطرة التنظيم الإرهابي بسوريا، فإن الإرهابيين لا يزالون يتمتعون بالقدرة للوصول لمئات الملايين من الدولارات وفق تقديرات خبراء.

فنهاية "داعش" تمثل سيفا ذا حدين بالنسبة للدول التي تتطلع لتجفيف منابع الإرهاب، فمن ناحية جعلت الخسائر الفادحة التي مني بها التنظيم على الأرض من الصعوبة بمكان استغلال حقول النفط في كل من سوريا والعراق، وفرض ضرائب على المواطنين الذين يعيشون تحت حكمه.

لكن من ناحية أخرى، فقد حرر فقدان الإرهابيين للأراضي التنظيم من التكاليف المرتبطة ببناء دولة الخلافة المزعومة، مما يمكنها من التركيز حصريا على نشاطاتها الإرهابية.

ولا يزال النفط مصدرا لتمويل التنظيم الذي لم يعد يسيطر على حقول، لكنه قادر على ابتزاز المسؤولين عن خطوط الإمداد في المنطقة، وفق مسؤول رفيع بوزارة الخزانة الأميركية لم تكشف "أتلانتيك" اسمه.

أخبار ذات صلة

سوريا.. دعوة لإنشاء محكمة دولية تتولى "جرائم داعش"
بعد سوريا والعراق.. هل اقتربت نهاية داعش في مصر وليبيا؟

إحياء إستراتيجية "القاعدة"

وجمع "داعش" خلال فترة قوته أصولا كبيرة بحسب هوارد شاتز، كبير الاقتصاديين في مركز الأبحاث "راند"، والمؤلف المشارك في العديد من الدراسات حول الشؤون المالية للتنظيم، الذي قال: "تؤكد المعلومات وجود أرصدة كبيرة لداعش من النقد والعقارات وغيرها، لكن لا يمكن الجزم أين انتهت كل تلك الثروات بعد هزيمة التنظيم في شمال سوريا".

وتوفر كل من سوريا والعراق المنهكتان من الحروب لـ"داعش"، فرصة لإعادة إحياء "التكتيكات المالية" التي دأبت "القاعدة" على تبنيها في السابق.

فخلال الفترة الواقعة بين عامي 2008 و2012، عمدت "القاعدة" وخصوصا في الموصل شمال العراق، لسرقة البضائع التجارية وإعادة بيعها، واختطاف أفراد من العائلات الثرية طلبا لفدى مالية.

إعادة الإعمار

ومن العوامل التي يمكن أن يستغلها "داعش" مسألة إعادة الإعمار وخصوصا شمالي العراق، إذ تعهدت دول في مؤتمر عقد العام الماضي بتوفير 30 مليار دولار لإعادة بناء المنطقة.

وسيفتح هذا المبلغ شهية التنظيم الإرهابي الذي سيستغل سلاح الفساد في سبيل الحصول على حصة من الأموال المخصصة لإعادة الإعمار.

فبحسب وثائق رفعت السرية عنها، تعامل سياسيون عراقيون وأكراد وأتراك مع "القاعدة" في العراق سنة 2009، وهو ما يرجح أن يكون الإشراف على إنفاق مخصصات إعادة الإعمار ذا نتائج أسوأ.

كذلك احتفظ "داعش" بسجلات لما يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين شخص كانوا يعيشون تحت حكم التنظيم، لاستخدامها لاحقا في عمليات ابتزاز لمواطنين عراقيين وسوريين.

وحول هذا الأسلوب أوضح شاتز: "يعرف التنظيم معلومات وافية عن الأشخاص الذين كانوا متواجدين في المناطق التي سيطر عليها وخصوصا أعمالهم ودخولهم. بمقدورهم انتقاء الأثرياء ورجال الأعمال وابتزازهم بتهديدهم بعمليات الخطف".

تحويلات سهلة

واستعرض التحقيق نموذجا لشبكة التحويلات المالية التي تخدم منظمات ونشاطات سرية يترأسها شخص يعرف باسم "أبو شوكت"، يدير مكتبا صغيرا في إحدى ضواحي بيروت متخصصا بتحويل الأموال.

ويقوم "نظام الحوالة" المعتمد من قبل "أبو شوكت" على تحويل مبلغ نقدي بين مكانين لا يتوفر فيهما نظام التحويل البنكي، أو بسبب ارتفاع العمولة التي تفرضها الطرق القانونية.

وإن وافق "أبو شوكت" على عملية التحويل، فسيطلب تحديد كلمة سر، ويأخذ النقود مع إعطاء بيانات الاتصال الخاصة بسمسار الحوالة في المدينة التي سيتجه إليها المال، حيث يحصل أي شخص يقدم كلمة السر للسمسار على المال المحوّل.

وبهذه الطريقة يمكن أن تنتقل الأموال لمسافات طويلة متخطية الحدود، دون أي استفسار عن هوية من يرسلها أو يتسلمها أو الغرض منها.

ويدير "أبو شوكت" بحسب "أتلانتيك"، شبكة من شركات خدمات الأموال، التي انخرطت في عمليات تحويل بملايين الدولارات أسبوعيا لصالح "داعش".