عندما احتضن رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو وزيرة العدل في حكومته جودي ويلسون-رايبولد في مجلس العموم الكندي العام الماضي، أصبحت لحظة رمزية للصداقة القوية بين الاثنين، كما شكلت جزءا من وعد حكومي بإصلاح العلاقة المتوترة بين الحكومة والشعب الأصلي في كندا.
والآن وبعد أن خرجت جودي ويلسون-رايبولد من الحكومة، وجد ترودو نفسه في موقف دفاعي وصد الاتهامات بأن أعضاء مكتب رئيس الوزراء يضغطون على الوزيرة السابقة لكي لا تلاحق اتهامات جنائية ضد شركة هندسية كندية كبيرة.
وألقت الفضيحة بظلالها على صورة جاستن ترودو محليا بشأن التزام حكومته بالشفافية، الأمر الذي قد يلحق ضررا بآفاقه الانتخابية المقبلة.
وحول هذه الادعاءات ضد فريقه الوزاري، أشارت مديرة كلية الإدارة العامة بجامعة دالهوزي لوري تورنبول إلى أن المزاعم بشأن فريق ترودو وأسلوبهم المنفتح وكيفية اتخاذهم القرارات متسقة مع ممارسات سلفه ستيفن هاربر أكثر مما تفق مع الممارسات "الوردية" التي حاول ترودو صياغتها.
ووفقا للمزاعم التي ظهرت لأول مرة في صحيفة غلوب آند ميل في السابع من فبراير الجاري، فإن موظفين في مكتب رئيس الوزراء الكندي مارسوا الضغط على الوزيرة السابقة ويلسون-رايبولد من أجل التوصل إلى اتفاق تسوية مع الشركة الهندسية "أس إن سي لافالين، ما يعني أن الشركة ستتجنب المقاضاة وتدفع غرامة مالية بدلا من محاكمتها بتهمة تقديم الرشى في ليبيا.
غير أن ويلسون-رايبولد قاومت هذه الضغوط بحسب الصحيفة.
وفي منتصف يناير الماضي، أجرى تغيير وزاري في كندا، فانتقلت ويلسون-رايبولد، السياسية الوحيدة من السكان الأصليين في حكومة ترودو، من وزارة العدل إلى وزارة شؤون قدامي المحاربين.
وإذا ثبتت إدانتها في مزاعم تقديم الرشوة لتأمين عقود بناء مربحة في ظل حكم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، فهذا يعني أن الشركة، التي يوجد مقرها الرئيسي في مقاطعة كيبيك ويعمل بها 3400 عامل، تواجه احتمال فرض حظر على أي عقود فيدرالية لمدة عقد من الزمن، الأمر الذي قد يترتب على انهيارها المحتمل انعكاسات سياسية واقتصادية عميقة في المنطقة.
ووصف ترودو الأخبار في صحيفة غلوب بأنها "عارية عن الصحة"، وواظب على نفي أنه أو أعضاء مكتبه مارسوا أي شكل من أشكال الضغط على ويلسون-رايبولد، وقال "إن وجودها في الحكومة يتحدث عن نفسه".
وبعد ساعات من تصريحاته هذه تقدمت ويلسون-رايبولد باستقالتها من الحكومة، لكنها احتفظت بالصمت فيما فتح مسؤول لجنة الأخلاقيات تحقيقا بالأمر.
ومع دعوات المعارضة للانتقام، ظهرت ضحية جديدة الاثنين وطالت هذه المرة صديق ترودو القديم ومستشاره المقرب جيرالد بوتس، حيث قدم استقالته فجأة نافيا ارتكابه أي مخالفة أو ممارسة أي تأثير غير ملائم.
وأعادت هذه الفضيحة التذكير بالأسئلة المتعلقة بالتأثير الكبير الذي يحظى به أفراد مثل بوتس داخل مكتب رئيس الوزراء، والقوة الهائلة التي يتمتع بها المكتب في السياسة الكندية.
وقال تيرنبول "هناك الكثير من القلق بشأن أن يكون مكتب رئيس الوزراء قويا جدا.. هناك هؤلاء المستشارين الذين يقدمون النصيحة لرئيس الوزراء خلف الأبواب المغلقة، وهم يتخذون قرارات تؤثر حقا على الحكومة، دون أن يكونوا فعلا مسؤولين أمام العامة".
في الأيام التي تلت استقالة ويلسون-رايبولد، كشف تقرير صحفي كندية عن انتقادات مجهولة وجهت لها من داخل حزبها، ووصفتها الانتقادات بأنها "صعبة" و"أنانية" و"متطلبة".
وقوضت استقالتها والانتقادات الموجهة إليها مسألة "النوايا الحسنة" مع زعماء السكان الأصليين بشكل كبير، وهي النوايا التي عمل ترودو وفريقه بجد من أجل ترسيخها، كما ألقت بشكوك حول نواياه الحسنة تجاه المرأة.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة تورنتو نيلسون وايزمان " لقد كان نقلها من وزارة العدل إلى وزارة أقل شأنا إهانة حقيقية لها.
وتسبب نقلها من وزارة العدل إلى قدامى المحاريين، الوزارة الأقل شأنا ومن ثم استقالتها، باحتجاج زعماء السكان الأصليين في جميع أنحاء البلاد بسرعة على ما اعتبروه معاملة غير منصفة لويلسون-رايبولد.
وكتبت اتحاد زعماء هنود كولومبيا البريطانية في رسالة إلى ترودو فور مغادرة ويلسون-رايبولد من الحكومة قائلين "إذا لم تقم بإدانة هذه التصريحات المؤذية والاعتذار للوزيرة ويلسون-رايبولد، فإنك لن تؤكد نظام الاعتقاد الاستعماري السائد بأن النساء من السكان الأصليين أقل شأنا ويمكن التخلص منهن فحسب، بل ستكشف للكنديين مزاعمك المعلنة حول المرأة، والأهم من ذلك، علاقتك بالشعب الأصلي".
وسارع عضو بارز في مجلس الوزراء عن الإعراب عن دعمه لويلسون-رايبولد، وهو ما فعله أيضا أعضاء آخرون في الحزب الليبرالي.
وقد أظهرت الفضيحة بالفعل علامات حول التكلفة السياسية لما حدث، فقد أظهر أحد الاستطلاعات بعد استقالة ويلسون-رايبولد تراجع الليبراليين وتقدم المحافظين، بينما كان ترودو الأكثر تضررا مما حدث، حيث بدأت شعبيته في التراجع.
وقال تورنبول إن الشيء الوحيد الذي سيجعل هذه القصة تختفي هي تقديم بعض الحقائق التي يقبلها الجمهور باعتبارها صحيحة، وإذا تحمل شخص ما المسؤولية عن كل شيء ما ثم تقدم باستقالته.
وبينما يتم احتواء الضرر في الوقت الحالي، يعتقد وايزمان أن الأمور يمكن أن تتغير بسرعة، مضيفا أنه ليس هناك أي تهديد وجودي حتى الآن، ما لم تكشف ويلسون-رايبولد عن أي شيء أو أذا احتفظت بصمتها "لأن لديها الكثير من المصداقية الآن أكثر من أي شخص في الحكومة".