تحت عنوان "داخل غرف أردوغان السرية للتعذيب"، نشر موقع "euobserver" تقريرا يكشف كيف قلبت محاولة انقلاب فاشلة حياة الأتراك رأسا على عقب، وتغير مصير الآلاف منهم إلى الأبد، وذلك من خلال حملات الاعتقال التعسفية وعمليات التعذيب التي تعرض لها كثيرون.
وسلط التقرير الضوء على قصة جعفر توبكايا، الذي أمضى ما يزيد عن 15 عاما من حياته وهو يخدم في البحرية التركية، قبل أن ينتقل إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للعمل في حلف شمال الأطلسي "الناتو" بين عامي 2015 و2016.
وكان توبكايا يعمل في بروكسل عندما وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة بيوليو 2016، وفي العاشر من أكتوبر من العام نفسه، تلقى تعليمات من القيادة بتركيا بضرورة العودة لحضور "اجتماع طارئ".
وبالرغم من أن توبكايا كان على علم بأن الكثير من المغتربين عرضة لخطر الوقوع في "فخ" من السلطات التركية، لإعادتهم وسجنهم بتهم تتعلق بمحاولة الانقلاب، أو الانتماء لجماعة رجل الدين فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء الانقلاب، فإن توبكايا لم يعتقد أنه سيتعرض لمثل هذا الأمر لأنه "رجل بريء".
وفي الـ12 من أكتوبر، سافر توبكايا إلى أنقرة، ثم توجه في اليوم التالي لحضور "الاجتماع الطارئ" في المقر الرئيسي للأركان العامة في الجيش التركي، حاملا معه علبة من الشوكولاتة لقادته، ليتضح أن الأمر ما هو إلا "فخ" للإيقاع به والقبض عليه.
وكانت التهمة الرئيسية لعملية الاعتقال هي اعتباره أحد أنصار غولن، حيث تم الاعتقال بأمر من أميرال بحري يدعى جيهات يايجي، وهو أحد العسكريين الذين "سطع نجمهم" بعد محاولة الانقلاب بعد عمليات الاعتقال الكثيرة التي أشرف عليها، وتمت ترقيته إلى رئيس هيئة أركان في البحرية التركية.
وبعد اعتقاله، نقل توبكايا إلى صالة تدريبات رياضية قريبة من القصر الذي يقطن فيه الرئيس رجب طيب أردوغان بأنقرة، تم تحويلها إلى مقر اعتقال.
ظروف اعتقال مهينة
وهناك، اكتشف توبكايا ظروف اعتقال مهينة وعمليات تعذيب وحشية مارستها السلطات التركية بحق المعتقلين، الذين يقبع معظمهم هناك دون أدلة، أو محاكمة، أو اتصال مع العالم الخارجي.
وتستطيع السلطات التركية أن تعتقل أي شخص دون محاكمة وتبقيه في السجن لمدة لا تزيد عن 4 أيام، لكن حالة الطوارئ التي تم فرضها عقب الانقلاب، زادت المدة لتصل إلى شهر كامل.
وقال توبكايا، إن نحو 100 شخص كانوا موجودين داخل الصالة الرياضية، التي لا تتسع لمثل هذا العدد، لافتا إلى أن ظروف الاعتقال كانت سيئة للغاية.
وبيّن أن المحتجزين كانوا يحصلون على وجبتين فقط في اليوم، الأولى هي الفطور وتتضمن قطعتين من الخبز، والثانية هي العشاء وتتضمن قطعتين من الخبز ومقدار ملعقتين من الأرز، وملعقتين من الخضروات.
وكان القائمون على المعتقل يقومون برفع التدفئة خلال أيام النهار الحارة، وخفض درجة الحرارة خلال الليالي الباردة.
ولم يسمح للمعتقلين بارتداء أحذية أو تغيير ملابسهم أو الجلوس على كراسي، إذ كانوا جميعا يجلسون على الأرض وينامون على قطع إسفنجية رقيقة قذرة، كما تشاركوا جميعا 3 حمامات فقط.
وأشار توبكايا إلى أن فرقا طبية كانت تحضر كل يوم لفحص المعتقلين، لكن لم يتمكن أي منهم من طلب المساعدة أو قول أي شيء لأن الحراس كانوا يبقون على مسافة قريبة، وينهالون على المعتقلين بالشتائم والتهديدات والصراخ.
تعذيب وحشي
وذكر توبكايا أنه كان محظوظا حيث لم يتم تعذيبه بصورة وحشية كما حدث مع بعض زملائه في المعتقل، مضيفا: "كان أحد الموجودين معنا بروفيسورا في مجال الطب، وعاد إلينا في أحد الأيام باكيا بعد جلسة تحقيق".
وتابع: "تم تعذيبه، وضربه وإرغامه على النوم على الأرض ووضع مسدس في فمه، قبل أن يقوم الحراس بتهديده ودفعه للاعتقاد بأنهم سيرمونه من النافذة. ثم طلبوا منه بعد خروجه من الغرفة أن يركض في الممر".
وأوضح أن الرجل اعتقد فعلا أنهم طلبوا منه الركض ليطلقوا النار عليه من الخلف ويقولوا إنه "حاول الهرب".
وفي حادثة أخرى، قال توبكايا إن كولونيلا في الجيش كان معتقلا معه، تعرض للتعذيب مرارا، وعندما قام محام بزيارته، هدده بأن السلطات ستعتقل زوجته إذا لم يعترف، مما سيترك ابنتيه دون ولي أمر.
كما التقى توبكايا بوسيط تأمين، تتلخص قصته في أن جاره لطالما أراد أن يشتري تجارته منه أو أن يشاركه فيها ولكنه رفض، مما دفع جاره لتقديم معلومات مضللة للسلطات متهما إياه بالانضمام لجماعة غولن، لتقوم السلطات باعتقاله وليحصل الجار بالفعل على أعماله.
محاكمة صورية
وبعد 13 يوما أمضاها توبكايا في المعتقل، بدأت محاكمته التي تم اتهامه فيها بالانضمام لجماعة غولن، وبنشر تغريدات "أهان" الرئيس فيها، باستخدام تطبيق "بايلوك" المحظور في تركيا.
وخلال المحاكمة، طلب توبكايا رؤية حساب تويتر المتعلق بالاتهامات، ليشير إليهم بأن بعض التغريدات نشرت خلال وجوده في المعتقل، وأخرى نشرت خلال وقت المحاكمة، إلا أن المحكمة أمرت بوضعه في سجن سنجان لحين صدور الحكم النهائي.
سجن جديد.. والمزيد من قصص التعذيب
وبعد نقله إلى سنجان، تم وضع توبكايا في زنزانة مع 4 سجناء آخرين، رغم أنها تكفي 3 أشخاص فقط. ولم يتم منحه "إسفنجة" لينام عليها إلا عندما جاءت لجنة من الأمم المتحدة معنية بالتعذيب، لتفحص السجن.
وداخل السجن، واجه السجناء ظروفا قاسية، إذ تم منحهم كميات قليلة جدا من الطعام، وحرموا من التدفئة، بالرغم من أن درجة الحرارة كانت أقل من 15 درجة مئوية.
وهناك أيضا التقى توبكايا سجناء تعرضوا للتعذيب، منهم قائد في الجيش تم اقتياده إلى مقر القوات الخاصة حيث تم تعذيبه وصعقه بالكهرباء لـ 3 أيام، مما دفعه لتقديم اعترافات كاذبة لينجو من التعذيب، إلا أنه عاد وكشف خلال محاكمته أنها غير حقيقية وأنها تمت تحت التعذيب.
لكن ذلك لم يشكل فرقا في المحاكمة، إذ أمرت المحكمة بسجنه مدى الحياة، قبل أن تعود وتأمر بإطلاق سراح مشروط له لحين صدور الحكم النهائي، بعد أن أمضى 27 شهرا في المعتقل.
كما دفعت عمليات التعذيب الوحشية سجينا آخر إلى حد الجنون، إذ أصبح يكلم أشخاصا خياليين ويتحدث إلى نفسه، ويبكي ويضحك بشكل هستيري دون سبب.
الهروب
أمضى توباكايا 11 شهرا داخل سجن سنجان، قبل أن يتم منحه الحق في الاطلاع على ملفه، الذي تضمن ما يشبه السيرة الذاتية لغولن، قبل أن يشير إلى اتهام توبكايا بالانضمام إلى جماعته.
وفي أكتوبر من العام الماضي، فشل الادعاء بتقديم أدلة في المحاكمة لإدانة توبكايا، خاصة بعد أن قام بالتراجع عن اتهامات تويتر الأخيرة، وتقديم أخرى جديدة متعلقة بتويتر أيضا، إلى جانب تهمة استخدام "بايلوك".
وفي فبراير 2018، فشل أيضا الادعاء في تقديم أدلة، مما دفع المحكمة للأمر بإطلاق سراح مشروط بعد أن ظل معتقلا 16 شهرا، لكنها أمرته أيضا بالحضور إلى مركز شرطة كل يوم سبت.
لاحقا، وصلت معلومات إلى توبكايا بأن يايجي (الذي أصدر أمر اعتقاله)، يريد أن يعتقله من جديد، مما دفعه إلى الهرب، وأوضح أن عملية الهرب تمت عبر اليونان، ومنها إلى بروكسل، لافتا إلى أنها كانت محفوفة بالمخاطر، خاصة وأن الناتو لم يقدم أي مساعدة له.
وأعرب توبكايا عن شكره للسلطات اليونانية والبلجيكية لحسن معاملته، ومنحه صفة لاجئ، لكنه عبر عن خوفه أيضا من أن يتم اختطافه وإعادته إلى تركيا مجددا.
وأشار توبكايا إلى أنه أصر على الحديث عن تجربته، باعتبار أنها "واجب أخلاقي"، وكونها "أقل ما يمكن القيام به من أجل أولئك الذين لا يزالون قابعين في السجون والمعتقلات التركية دون وجه حق".